[ ص: 139 ] ثم دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : في المحرم منها ظهر كوكب بذنب ، رأسه إلى الغرب ، وذنبه إلى الشرق ، وكان عظيما جدا ، وذنبه منتشر ، وبقي ثلاثة عشر يوما إلى أن اضمحل .
قال : وفي نصف ربيع الأول بلغ الكر من الحنطة مائتي دينار وعشرة دنانير ، ومن الشعير مائة وعشرين دينارا ، ثم بلغ كر الحنطة ثلاثمائة وستة عشر دينارا ، وأكل الضعفاء الميتة ، ودام الغلاء وكثر الموت ، وتقطعت السبل ، وشغل الناس بالمرض والفقر ، وترك دفن الموتى ، وشغل الناس عن الملاهي واللعب . قال : ثم جاء مطر كأفواه القرب وبلغت زيادة دجلة عشرين ذراعا وثلثا .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في " كامله " أن
محمد بن رائق - الذي هو أمير الأمراء
ببغداد حينئذ - وقعت بينه وبين
أبي عبد الله البريدي الذي بواسط وحشة بسبب منع
البريدي الخراج الذي عنده ، فركب إليه
ابن رائق ليتسلم ما عنده من
[ ص: 140 ] المال ، فوقعت مصالحة ، ورجع
ابن رائق فطالبه الجند بأرزاقهم ، وضاق عليه حاله ، وتحيز جماعة من
الأتراك إلى
البريدي ، فضعف جانب
ابن رائق فكاتب
البريدي بالوزارة
ببغداد ، ثم قطع اسم الوزارة عنه ، فاشتد حنق
البريدي ، وعزم على أخذ
بغداد فبعث أخاه
أبا الحسين في جيش ، فتحصن
ابن رائق مع الخليفة بدار الخلافة ، ونصب فيها المجانيق والعرادات ، وعلى دجلة أيضا ، فاضطربت
بغداد ونهب الناس بعضهم بعضا ليلا ونهارا ، وجاء
أبو الحسين أخو
أبي عبد الله البريدي بمن معه ، فقاتلهم الناس في البر وفي دجلة ، وتفاقم الحال ، واشتد الخطب جدا ، مع الغلاء والوباء والفناء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ثم إن الخليفة
وابن رائق انهزما في جمادى الآخرة - ومع الخليفة ابنه
أبو منصور - في عشرين فارسا ، فقصدوا نحو
الموصل واستحوذ
أبو الحسين على دار الخلافة ، فقتل أصحاب
البريدي من وجدوا بدار الخلافة من الحاشية ، ونهبوها حتى وصل النهب إلى الحريم ، ولم يتعرضوا للقاهر ، وهو إذ ذاك أعمى مكفوف ، وأخرجوا
كورتكين من الحبس ، فبعثه
أبو الحسين إلى أخيه
أبي عبد الله البريدي ، فكان آخر العهد به ونهبوا
بغداد جهارا علانية ، ونزل
أبو الحسين بدار
مؤنس التي كان يسكنها
ابن رائق وكانوا يكبسون الدور ويأخذون ما فيها من الأموال ، فكثر الجور ، وغلت الأسعار جدا ، وضرب
أبو الحسين المكس على الحنطة والشعير ، وذاق
أهل بغداد لباس الجوع والخوف . وكان مع
أبي الحسين في الجيش طائفة كثيرة من
القرامطة ، فأفسدوا في البلد فسادا عظيما ، فوقعت بينهم وبين
الأتراك حروب طويلة شديدة ، فغلبتهم
[ ص: 141 ] الترك ، وأخرجوهم من
بغداد ووقعت الحرب بين العامة
والديلم أيضا .
وفي شعبان من هذه السنة اشتد الحال أيضا ، ونهبت المساكن ، وكبس أهلها ليلا ونهارا ، وخرجت الجند من أصحاب
البريدي ، فنهبوا الغلات من القرى والحيوانات ، وجرى ظلم لم يسمع بمثله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير : وإنما ذكرنا هذا ; ليعلم الظلمة أن أخبارهم تنقل وتبقى بعدهم على وجه الدهر ، فربما تركوا الظلم لهذا إن لم يتركوه لله عز وجل .
وقد كان الخليفة أرسل وهو
ببغداد إلى
ناصر الدولة بن حمدان نائب
الموصل والجزيرة يستمده ، ويستجيش به على
البريدي ، فأرسل
ناصر الدولة أخاه
nindex.php?page=showalam&ids=16077سيف الدولة عليا في جيش كثيف ، فلما كان
بتكريت إذا الخليفة
وابن رائق قد هربا ، فرجع معهما
سيف الدولة إلى أخيه ، وقدم
سيف الدولة للخليفة
المتقي لله خدمة عظيمة في مسيره هذا ، ولما وصلوا إلى
الموصل خرج عنها
ناصر الدولة ، فنزل شرقيها ، وأرسل التحف والضيافات ، ولم يجئ خوفا من الغائلة من جهة
ابن رائق نائب
العراق وصاحب
الشام فأرسل الخليفة ولده
أبا منصور ومعه
ابن رائق للسلام على
ناصر الدولة ، فأمر أن ينثر الذهب والفضة على رأس ولد الخليفة ، وجلسا عنده ساعة ، ثم قاما ليرجعا ، فركب ابن الخليفة ، وأراد
ابن رائق أن يركب معه ، فقال له
ناصر الدولة : اجلس اليوم عندي حتى نفكر فيما نصنع
[ ص: 142 ] في أمرنا هذا . فاعتذر إليه بابن الخليفة ، واستراب الأمر ، فقبض
ابن حمدان بكمه ، فجبذه
ابن رائق منه ، فانقطع كمه ، وركب سريعا ، فسقط عن فرسه ، فأمر
ناصر الدولة بقتله فقتل ، وذلك يوم الاثنين لسبع بقين من رجب من هذه السنة . فأرسل الخليفة إلى
ابن حمدان فاستحضره ، وخلع عليه ، ولقبه
ناصر الدولة يومئذ ، وجعله أمير الأمراء ، وخلع على أخيه
أبي الحسن علي ، ولقبه
سيف الدولة يومئذ أيضا ، ولما قتل
ابن رائق ، وبلغ خبر قتله إلى صاحب
مصر الإخشيد محمد بن طغج ، ركب إلى
دمشق فتسلمها من
محمد بن يزداد نائب
ابن رائق ولم ينتطح فيها عنزان .
ولما بلغ خبر مقتله إلى
بغداد فارق أكثر
الأتراك أبا الحسين البريدي لسوء سيرته ، وخبث سريرته ، قبحه الله ، وقصدوا الخليفة
وابن حمدان في
الموصل فقوي بهم
ناصر الدولة ، وركب هو والخليفة
المتقي لله إلى
بغداد فلما اقتربوا منها ، هرب عنها
أبو الحسين البريدي ، ودخل الخليفة
المتقي لله إلى
بغداد ومعه
بنو حمدان في جيوش كثيرة ، وذلك في شوال من هذه السنة ، ففرح به المسلمون فرحا شديدا ، وبعث إلى أهله - وقد كان أخرجهم إلى
سامراء - فردهم ، وتراجع أعيان الناس إلى
بغداد بعدما كانوا قد رحلوا عنها ، ورد الخليفة
أبا إسحاق القراريطي إلى الوزارة وولى
توزون شرطة جانبي
بغداد وبعث
ناصر [ ص: 143 ] الدولة أخاه
سيف الدولة في جيش وراء
أبي الحسين البريدي ، فلقيه عند
المدائن ، فاقتتلوا قتالا شديدا في أيام نحسات ، ثم كان آخر الأمر أن انهزم
أبو الحسين إلى أخيه
بواسط ، وقد ركب
ناصر الدولة بنفسه ، فنزل
المدائن قوة لأخيه .
وقد انهزم
سيف الدولة مرة من
أبي الحسين فرده أخوه ، وزاده جيشا آخر حتى كسر
البريدي ، وأسر جماعة من أعيان أصحابه ، وقتل منهم خلق كثير وجم غفير ، ثم أرسل أخاه
سيف الدولة إلى
واسط لقتال
أبي عبد الله البريدي ، فانهزم منه
البريدي وأخوه إلى
البصرة وتسلم
سيف الدولة واسطا ، وسيأتي ما كان من خبره مع
البريدي في السنة الآتية ، إن شاء الله تعالى .
وأما
ناصر الدولة ، فإنه عاد إلى
بغداد فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة ، وبين يديه الأسارى على الجمال ، ففرح الناس واطمأنوا ، ونظر في المصالح العامة ، وأصلح معيار الدينار ، وذلك أنه وجده قد غير عما كان عليه ، فضرب دنانير سماها الإبريزية ، فكانت تباع كل دينار بثلاثة عشر درهما ، وإنما كان يباع التي قبلها بعشرة .
وعزل الخليفة
بدرا الخرشني عن الحجابة ، وولاها
سلامة الطولوني ، وجعل
بدرا على طريق
الفرات ، فسار إلى
الإخشيد فأكرمه واستنابه على
دمشق فمات بها .
وفيها وصلت
الروم إلى قريب
حلب ، فقتلوا خلقا ، وأسروا نحوا من خمسة عشر ألف إنسان . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفيها
دخل الثملي من طرسوس إلى بلاد الروم ، فقتل وسبى وغنم وسلم ، وأسر من بطارقتهم المشهورين فيهم خلقا كثيرا ، ولله الحمد والمنة .