[ ص: 264 ] ثم دخلت
سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
في عاشر المحرم منها عملت
الرافضة عزاء
الحسين كما تقدم في السنة الماضية ، فاقتتل
الروافض وأهل السنة في هذا اليوم قتالا شديدا ، وانتهبت الأموال .
وفيها عصى
نجا غلام سيف الدولة عليه ، وذلك أنه كان في العام الماضي قد صادر
أهل حران وأخذ منهم أموالا كثيرة فتمرد بها ، وذهب إلى بلاد
أذربيجان فأخذ طائفة منها من يد رجل من الأعراب يقال له :
أبو الورد ، فقتله وأخذ من أمواله شيئا كثيرا ، وقويت شوكته بسبب ذلك ، فسار إليه
سيف الدولة فأخذه وأمر بقتله فقتل بين يديه وألقيت جيفته في الأقذار ومحل الجيف والنتن .
وفيها جاء
الدمستق إلى
المصيصة في جيش كثيف فحاصرها ونقب سورها ، فدافعه أهلها ، فأحرق رستاقها ، وقتل ممن حولها خمسة عشر ألف
[ ص: 265 ] إنسان ، وعاثوا فسادا في بلاد
أذنة وطرسوس ، وكروا راجعين إلى بلادهم قبحهم الله .
وفيها قصد
معز الدولة الموصل وجزيرة ابن عمر فأخذها من يد
ناصر الدولة بن حمدان ، ثم سار في طلب
ناصر الدولة ، فكر
ناصر الدولة في جيش قد هيأه ، فاسترجع الملك من يد
معز الدولة ، فعاد
معز الدولة فأخذ
الموصل وأقام بها ، فراسله في الصلح صاحبها ، فاصطلحا على أن يكون الحمل في كل سنة ، وأن يكون
أبو تغلب بن ناصر الدولة ولي عهد أبيه من بعده ، فأجاب
معز الدولة إلى ذلك ، وكر راجعا إلى
بغداد بعد ما جرت له خطوب عظيمة طويلة قد استقصاها
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في " كامله " وبسطها .
وفيها ظهر رجل
ببلاد الديلم ، وهو
أبو عبد الله محمد بن الحسين من أولاد
الحسن بن علي ويعرف
بابن الداعي ، فالتف عليه خلق كثير ، ودعا إلى نفسه ، وتسمى بالمهدي ، وكان أصله من
بغداد وعظم شأنه بتلك البلاد ، وهرب منه
ابن الناصر العلوي .
وفيها قصد ملك
الروم ، وفي صحبته
الدمستق ملك
الأرمن بلاد
طرسوس فحاصروها مدة ، ثم غلت عليهم الأسعار ، وأخذ فيهم الوباء ، فمات كثير منهم ، فكروا راجعين ، كما قال الله تعالى :
[ ص: 266 ] ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا [ الأحزاب : 25 ] . وكان من عزمهم يريدون أن يستحوذون على البلاد كلها ، فرجعوا خاسئين .
وفيها كانت
وقعة المجاز ببلاد
صقلية وذلك أنه أقبل من
الروم خلق كثير ومن
الفرنج ما يقارب المائة ألف ، فبعث
أهل صقلية إلى
المعز الفاطمي يستنجدونه ، فبعث إليهم بجيوش كثيرة في الأسطول ، فكانت بين المسلمين والمشركين وقعة عظيمة صبر فيها الفريقان من أول النهار إلى العصر ، ثم قتل أمير
الروم منويل وفرت الروم وانهزموا هزيمة قبيحة ، فقتل المسلمون منهم خلقا كثيرا ، وسقط
الفرنج في واد من الماء عميق فغرق أكثرهم ، وركب الباقون في المراكب ، فبعث الأمير
أحمد صاحب
صقلية في آثارهم مراكب أخر ، فقتلوا أكثر المشركين في البحر أيضا ، وغنم المسلمون في هذه الغزوة شيئا كثيرا ، من الأموال والحيوانات والأمتعة والأسلحة ، فكان في جملة ذلك سيف مكتوب عليه : هذا سيف هندي زنته مائة وسبعون مثقالا ، طالما قوتل به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث في جملة تحف إلى
المعز الفاطمي إلى
إفريقية .
وفيها قصدت
القرامطة مدينة
طبرية ليأخذوها من يد
الإخشيد صاحب
مصر والشام ، وطلبوا من
سيف الدولة أن يمدهم بحديد يتخذون منه سلاحا ، فقلع لهم أبواب
الرقة - وكانت من حديد - حتى أخذ أواقي الباعة ، وأرسل
[ ص: 267 ] بذلك كله إليهم حتى قالوا : اكتفينا .
وفيها طلب
معز الدولة من الخليفة
المطيع لله أن يأذن له في دخول دار الخلافة ليتفرج فيها ، فأذن له فدخلها ، فبعث خادمه وحاجبه معه ، فطافوا معه فيها ، وهو مسرع خائف ، ثم خرج وقد خاف من غائلة ذلك ، وخشي أن يقتل في بعض الدهاليز ، فتصدق بعشرة آلاف لما خرج شكرا لله على سلامته ، وازداد حبا في الخليفة
المطيع لله من يومئذ ، فكان في جملة ما رأى من العجائب بها صنم من نحاس على صورة امرأة حسناء جدا ، وحولها أصنام صغار في هيئة الخدم لها ، كان قد أتي به في زمن المقتدر ، فأقيم هناك ليتفرج عليه الجواري والنساء ، فهم المعز أن يطلبه من الخليفة ، ثم ارتأى فترك ذلك .
وفي ذي الحجة منها خرج رجل
بالكوفة ، فادعى أنه علوي ، وكان يتبرقع فسمي المبرقع ، وغلظت قضيته وبعد صيته ، وذلك في غيبة
معز الدولة عن
بغداد واشتغاله بأمر
الموصل وناصر الدولة بن حمدان ، فلما توطدت الأمور وعاد إلى
بغداد اختفى المبرقع ، وذهب في البلاد ، فلم يفتح له أمر بعد ذلك .