[ ص: 269 ] ثم دخلت
سنة أربع وخمسين وثلاثمائة
في
عاشر المحرم منها عملت الشيعة المآتم على ما تقدم في السنتين الأوليين ، وغلقت الأسواق وعلقت المسوح ، وخرجت النساء سافرات ناشرات ، ينحن ويلطمن وجوههن في الأسواق والأزقة ، وهذا تكلف لا حاجة إليه في الدين ولا في الدنيا ، ولو كان هذا أمرا محمودا لكان صدر هذه الأمة وخيرتها أولى به ; إذ لو كان خيرا لسبقونا إليه ،
وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون ، وتسلطت
أهل السنة على
الروافض ، فكبسوا مسجد براثا الذي هو عش
الروافض ، وقتلوا بعض من كان فيه من القومة .
وفيها في رجب منها جاء ملك
الروم بجيوش كثيفة إلى
المصيصة ففتحها قسرا ، وقتل من أهلها خلقا ، واستاق بقيتهم معه أسارى ، وكانوا قريبا من مائتي ألف إنسان ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وجاء إلى
طرسوس فسأل أهلها منه الأمان ، فأمنهم ، وأمرهم بالجلاء عنها والانتقال منها ، فاتخذ الجامع إسطبلا لخيوله ، وحرق المنبر ، ونقل قناديله إلى كنائس بلده ، وتنصر بعض أهلها معه ، لعنه الله .
وكان
أهل طرسوس والمصيصة قد أصابهم قبل هذا البلاء غلاء عظيم ووباء
[ ص: 270 ] شديد بحيث كان يموت منهم في اليوم الواحد ثلاثمائة نفر ، ثم دهمهم هذا الأمر الشديد ، فانتقلوا من شهادة إلى شهادة أعظم منها .
وعزم ملك
الروم على المقام
بطرسوس ليكون أقرب إلى بلاد المسلمين ، ثم عن له ، فسار إلى
القسطنطينية وفي خدمته
الدمستق ملك
الأرمن ، لعنهما الله .
وفيها جعل أمر تسفير الحجيج إلى نقيب الطالبيين ، وكتب له منشور بالنقابة والحجيج ، وهو
أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي وهو والد الرضي والمرتضى .
وفيها توفيت أخت معز الدولة ، فركب الخليفة في طيارة ، وجاء إليه فعزاه ، فقبل معز الدولة الأرض بين يديه ، وشكر له سعيه إليه ، وصدقاته عليه .
وفي ثامن عشر ذي الحجة عملت الروافض عيد غدير خم على العادة الجارية التي ذكرناها .
وفيها تغلب على
أنطاكية رجل يقال له :
رشيق النسيمي ، بمساعدة رجل يقال له :
ابن الأهوازي . وكان يضمن الطواحين ، فأعطاه أموالا ، وأطمعه في أخذ
أنطاكية وأخبره أن سيف الدولة قد اشتغل
بميافارقين ، وعجز عن الرجوع إلى
حلب فتم لهما ما راماه من أخذ
أنطاكية ثم ركبا منها في جيوش إلى
حلب فجرت بينهما وبين نائب سيف الدولة حروب عظيمة ، ثم أخذ البلد ،
[ ص: 271 ] وتحصن النائب بالقلعة ، وجاءت النجدة من سيف الدولة إلى
حلب مع غلام له اسمه
بشارة ، فانهزم
رشيق ، فسقط عن فرسه ، فابتدره بعض الأعراب ، فقتله وأخذ رأسه ، فجاء به إلى
حلب واستقل
ابن الأهوازي سائرا إلى
أنطاكية فأقام رجلا من
الروم اسمه
دزبر ، فسماه الأمير ، وأقام آخر من العلويين ليجعله خليفة ، وسماه الأستاذ ، فقصده نائب
حلب وهو
قرعويه ، فاقتتلا قتالا شديدا ، فهزمه
ابن الأهوازي واستقر
بأنطاكية ، فلما عاد سيف الدولة إلى
حلب لم يبت بها إلا ليلة واحدة حتى سار إلى
أنطاكية فاقتتلوا قتالا عظيما ، ثم انهزم
دزبر وابن الأهوازي وأسرا ، فقتلهما
nindex.php?page=showalam&ids=16077سيف الدولة بن حمدان .
وفيها ثار رجل من
القرامطة اسمه
مروان ، كان يحفظ الطرقات لسيف الدولة
بحمص ، فملكها وما حولها ، فقصده جيش من
حلب مع الأمير
بدر فاقتتلوا معه ، فرماه
بدر بسهم مسموم فأصابه ، واتفق أن أسر أصحاب
مروان بدرا ، فقتله
مروان بين يديه صبرا ، ومات
مروان بعد أيام ، وتفرق أصحابه ، قبحهم الله .
وفيها عصى
أهل سجستان أميرهم
خلف بن أحمد ، وذلك أنه حج في سنة ثلاث وخمسين ، واستخلف عليهم
طاهر بن الحسين فطمع في الملك بعده ، واستمال أهل البلد ، فلما رجع من الحج لم يسلمه البلد ، وعصى عليه ، فذهب
[ ص: 272 ] إلى
بخارى إلى الأمير
منصور بن نوح الساماني فاستنجده ، فبعث معه جيشا ، فاستنقذ البلد من
طاهر ، وسلمها إلى الأمير
خلف بن أحمد - وقد كان
خلف عالما محبا للعلماء - فذهب
طاهر ، فجمع جموعا ، ثم جاء فحاصر
خلفا ، وأخذ منه البلد ، فرجع
خلف إلى الأمير
منصور الساماني فبعث معه من استرجع له البلد ثانية ، وسلمها إليه ، فلما استقر
خلف بها وتمكن منها ، منع ما كان يحمله من الهدايا والتحف والخلع إلى الأمير
منصور الساماني ببخارى ، فبعث إليه جيشا ، فتحصن
خلف في حصن يقال له : حصن أرك . فنازله الجيش فيه تسع سنين لم يقدروا عليه ، وذلك لمناعة هذا الحصن وصعوبته وعمق خندقه وارتفاعه ، وسيأتي ما آل إليه أمره بعد ذلك .
وفيها قصدت طائفة من
الترك بلاد الخزر ، فاستنجد
الخزر بأهل خوارزم فقالوا : لو أسلمتم لنصرناكم . فأسلموا إلا ملكهم ، فقاتلوا معهم الترك ، فأجلوهم عنهم ، ثم أسلم الملك بعد ذلك . ولله الحمد والمنة .