[ ص: 423 ] فصل
قال
ابن إسحاق بعد ذكر
رجوعه عليه الصلاة والسلام ، إلى أمه آمنة بعد رضاعة حليمة له : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أمه
آمنة بنت وهب وجده
عبد المطلب في كلاءة الله وحفظه ، ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما بلغ ست سنين توفيت أمه
آمنة بنت وهب .
قال
ابن إسحاق حدثني
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن
أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة ، توفيت وهو ابن ست سنين ، بالأبواء بين
مكة والمدينة كانت قد قدمت به على أخواله من
بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى
مكة . وذكر
الواقدي بأسانيده أن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت به أمه إلى
المدينة ، ومعه
أم أيمن ، وله ست سنين فزارت أخواله قالت
أم أيمن : فجاءني ذات يوم رجلان من
يهود المدينة فقالا لي : أخرجي إلينا
أحمد ننظر إليه فنظرا إليه وقلباه فقال أحدهما لصاحبه : هذا نبي هذه الأمة ، وهذه دار هجرته ، وسيكون بها من القتل والسبي أمر عظيم فلما سمعت أمه خافت وانصرفت به فماتت
بالأبواء وهي راجعة .
[ ص: 424 ] وقال الإمام
أحمد : حدثنا
حسين بن محمد حدثنا
أيوب بن جابر عن
سماك عن
القاسم بن عبد الرحمن عن
ابن بريدة عن أبيه قال
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بودان قال : مكانكم حتى آتيكم فانطلق ثم جاءنا وهو سقيم فقال : إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة - يعني لها - فمنعنيها ، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها . ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام فكلوا وأمسكوا ما بدا لكم . ونهيتكم عن الأشربة في هذه الأوعية فاشربوا ما بدا لكم .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
علقمة بن مرثد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16035سليمان بن بريدة عن أبيه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509968انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبر فجلس وجلس الناس حوله كثير فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ثم بكى فاستقبله عمر رضي الله عنه فقال : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى علي ، وأدركتني رقتها فبكيت قال : فما [ ص: 425 ] رأيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة . تابعه
nindex.php?page=showalam&ids=16883محارب بن دثار عن
بريدة عن أبيه ، ثم روى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم عن
الأصم عن
بحر بن نصر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
أيوب بن هانئ عن
مسروق بن الأجدع عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509969خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه فأمرنا فجلسنا ، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا ، ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل علينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ما الذي أبكاك ؟ لقد أبكانا وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال : أفزعكم بكائي ؟ قلنا : نعم قال : إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ، واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه ، ونزل علي " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة [ ص: 426 ] وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني غريب ، ولم يخرجوه .
وروى
مسلم عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن
محمد بن عبيد عن
يزيد بن كيسان عن
أبي حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال
زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، ثم قال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فزوروا القبور تذكركم الموت وروى
مسلم عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن
عفان عن
حماد بن سلمة عن
ثابت عن
أنس أن رجلا قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509970يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم الفضل بن دكين عن
إبراهيم بن سعد عن
الزهري عن
عامر بن سعد عن أبيه قال
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو ؟ قال : في النار قال : فكأن الأعرابي وجد من ذلك فقال : يا رسول الله [ ص: 427 ] فأين أبوك ؟ قال : حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار قال : فأسلم الأعرابي بعد فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار غريب ، ولم يخرجوه من هذا الوجه .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
أبو عبد الرحمن حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد هو ابن أبي أيوب حدثنا
ربيعة بن سيف المعافري عن
أبي عبد الرحمن الحبلي عن
عبد الله بن عمرو قال
بينما نحن نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما أخرجك من بيتك يا فاطمة ؟ فقالت : أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم ، وعزيتهم قال : لعلك بلغت معهم الكدى . قالت : معاذ الله أن أكون بلغتها معهم; وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر . قال : لو بلغتيها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك ثم رواه
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، من حديث
ربيعة بن سيف بن ماتع المعافري الصنمي الإسكندري وقد قال الإمام
[ ص: 428 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : عنده مناكير ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : ليس به بأس ، وقال مرة : صدوق ، وفي نسخة : ضعيف ، وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات ، وقال : كان يخطئ كثيرا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : صالح ، وقال
ابن يونس في تاريخ
مصر : في حديثه مناكير توفي قريبا من سنة عشرين ومائة والمراد بالكدى : القبور ، وقيل : النوح .
والمقصود أن
عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية ، خلافا لفرقة
الشيعة فيه وفي ابنه
أبي طالب على ما سيأتي في وفاة
أبي طالب ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بعد روايته هذه الأحاديث في كتابه دلائل النبوة : وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ، ولم يدينوا دين
عيسى ابن مريم عليه السلام ، وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام; لأن أنكحة الكفار صحيحة ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن إذا كان مثله يجوز في الإسلام ، وبالله التوفيق انتهى كلامه .
[ ص: 429 ] قلت : وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده
عبد المطلب بأنهم من أهل النار ، لا ينافي الحديث الوارد عنه من طرق متعددة
أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة ، كما بسطناه سندا ومتنا في تفسيرنا عند قوله تعالى
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة .
وأما الحديث الذي ذكره
السهيلي ، وذكر أن في إسناده مجهولين إلى
ابن أبي الزناد عن
عروة عن
عائشة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما وآمنا به فإنه حديث منكر جدا ، وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه . والله أعلم .
فصل في كفالة جده عبد المطلب له عليه السلام بعد وفاة أمه ]