[ ص: 729 ] ثم دخلت سنة سبع وأربعين وأربعمائة
فيها
ملك طغرلبك بغداد وهو أول ملوك
السلجوقية لبلاد
العراق وآخر ملك
بني بويه .
وفيها تأكدت الوحشة بين
البساسيري وبين الخليفة ، واشتكت
الأتراك منه ، وأطلق رئيس الرؤساء عبارته فيه ، وذكر قبيح أفعاله ، وأنه كاتب
المصريين بالطاعة ، وخلع ما كان عليه من بيعة
العباسيين ، وقال الخليفة : وليس إلا إهلاكه .
وفيها غلت الأسعار بنواحي
الأهواز ، حتى بيع الكر في مدينة
شيراز بألف دينار .
وفيها وقعت الفتنة بين السنة
والرافضة على العادة ، فاقتتلوا قتالا شديدا مستمرا ، ولا تمكن الدولة أن يحجزوا بين الفريقين .
وفيها وقعت الفتنة بين
الأشاعرة والحنابلة ، وكان جانب
الحنابلة قويا بحيث إنه كان لا يتمكن أحد من
الأشاعرة شهود الجماعات . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي [ ص: 730 ] في " المنتظم " .
قال
الخطيب : كان
أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم أمره واستفحل ; لعدم أقرانه من متقدمي
الأتراك ، واستولى على البلاد وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم ، ودعي له على كثير من المنابر العراقية والأهواز ونواحيها ، ولم يكن
الخليفة القائم بأمر الله يقطع أمرا دونه ، ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته ، وشهد عنده جماعة من
الأتراك عرفهم وهو بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة ، فكاتب الخليفة
أبا طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق الملقب طغرلبك يستنهضه على المسير إلى
العراق ، فانفض أكثر من كان مع
البساسيري ، وعادوا إلى
بغداد سريعا ، ثم أجمع رأيهم على قصد دار
البساسيري وهي في الجانب الغربي فأحرقوها ، وهدموا أبنيتها .
ووصل
طغرلبك إلى
بغداد في رمضان سنة سبع وأربعين ، وقد تلقاه إلى أثناء الطريق الأمراء والوزراء والحجاب ، ودخل
بغداد في أبهة عظيمة جدا ، وخطب له بها ، ثم بعده للملك الرحيم ، ثم قطعت خطبة الملك الرحيم في أواخر شهر رمضان ، ورفع إلى القلعة معتقلا ، وكان آخر ملوك
بني بويه ، وكانت مدة ولايته
لبغداد ست سنين وعشرة أيام ،
وطغرلبك أول ملوك
السلجوقية ، ونزل
طغرلبك دار المملكة بعد الفراغ من عمارتها ، ونزل أصحابه دور
الأتراك ، وكان معه ثمانية أفيلة ، ووقعت الفتنة بين
الأتراك والعامة ، ونهب الجانب الشرقي
[ ص: 731 ] بكماله ، وجرت خطوب وخبطة عظيمة . وأما
البساسيري فإنه فر من الخليفة إلى ناحية بلاد الرحبة ، وكتب إلى صاحب
مصر بأنه على إقامة الدعوة له
بالعراق ، فأرسل إليه بولاية الرحبة ونيابته بها ; ليكون على أهبة التمكن من الأمر الذي يحاوله ، قبحهما الله تعالى .
وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة قلد
أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني قضاء القضاة ، وخلع عليه به ، وذلك بعد موت
أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا ، ثم خلع على الملك
طغرلبك بعد دخوله
بغداد بيوم ، ورجع إلى داره وبين يديه الدبادب والبوقات .
وفي هذا الشهر توفي
ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن أمير المؤمنين القائم بأمر الله وهو ولي عهد أبيه ، فعظمت الرزية به ، وجلس رئيس الرؤساء للعزاء ، وجاء الناس ، وقد أمروا بتخريق ثيابهم ونشر عمائمهم والتحفي ، وقطعت الدبادب أيام العزاء بدار الخلافة ودار الملك حزنا على ولي عهد الخلافة .
وفي هذه السنة استولى
أبو كامل علي بن محمد الصليحي الهمداني على أكثر أعمال
اليمن ، وخطب فيها
للفاطميين ، وقطع خطبة
العباسيين .
وفيها كثر فساد
الغز ونهبهم ، فثاورهم العوام واقتتلوا ، ونهبوا العامة حتى أبيع الثور بخمسة قراريط ، والحمار بقيراطين إلى خمسة قراريط .
[ ص: 732 ] وفيها اشتد الغلاء
بمكة ، وعدمت الأقوات ، فأرسل الله عليهم جرادا ملء الأرض ، فتعوضوا به عن الطعام .
ولم يحج أحد من
أهل العراق في هذه السنة أيضا .