خلافة المقتدي بأمر الله
وهو
أبو القاسم عدة الدين عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن الخليفة القائم بأمر الله بن القادر العباسي ، وأمه أرمنية تسمى
أرجوان وتدعى قرة العين ، وأدركت خلافته وخلافة ولديه
المستظهر والمسترشد . وقد كان أبوه توفي وهو حمل ، فحين ولد ذكرا فرح به جده والمسلمون فرحا شديدا ، إذ حفظ الله على المسلمين بقاء الخلافة في البيت
القادري ; لأن من عداهم يبتذلون في الأسواق مع العوام وكانت القلوب تنفر من تولية مثل أولئك الخلافة على الناس ، ونشأ هذا في حجر جده
القائم بأمر الله يربيه بما يليق بأمثاله ، ويدربه على أحسن السجايا ولله الحمد .
وكان عمر
المقتدي حين ولي الخلافة عشرين سنة ، وهو في غاية الجمال خلقا ، وخلقا وكانت بيعته يوم الجمعة الثالث عشر من شعبان من هذه السنة ، وجلس في
دار الشجرة بقميص أبيض وعمامة بيضاء لطيفة وطرحة قصب درية ، وجاء الوزراء والأمراء والأشراف ووجوه الناس فبايعوه ، فكان أول من بايعه
الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الحنبلي [ ص: 50 ] وأنشده قول الشاعر :
إذا سيد منا مضى قام سيد
ثم أرتج عليه فلم يدر ما بعده فقال الخليفة :
قئول لما قال الكرام فعول
وبايعه من شيوخ العلم الشيخ
أبو إسحاق الشيرازي ، والشيخ
أبو نصر بن الصباغ الشافعيان ، والشيخ
أبو محمد التميمي الحنبلي ، وبرز فصلى بالناس العصر ثم بعد ساعة أخرج تابوت جده بسكون ووقار من غير صراخ ولا نوح ، فصلى عليه وحمل إلى المقبرة ، رحمه الله ، وقد كان المقتدي بالله شهما شجاعا ، أيامه كلها مباركة والرزق دار ، والخلافة معظمة جدا ، وتصاغرت الملوك له وتضاءلوا بين يديه ، وخطب له
بالحرمين وبيت المقدس والشامات كلها ، واسترجع المسلمون
الرها وأنطاكية من أيدي العدو ، وعمرت
بغداد وغيرها من البلاد واستوزر
ابن جهير ثم
أبا شجاع ثم أعاد
ابن جهير وقاضيه
الدامغاني ثم
أبو بكر الشامي وهؤلاء من خيار القضاة والوزراء ولله الحمد .
وفي شعبان أخرج المفسدات من الخواطئ من
بغداد على حمرات ينادين على أنفسهن بالعار والفضيحة ، وخرب دورهن وأسكنهن الجانب الغربي ، وخرب أبرجة الحمام ومنع من اللعب بها ، وألزم الناس بالمآزر في الحمامات ،
[ ص: 51 ] ومنع أصحاب الحمامات أن يصرفوا فضلاتها إلى
دجلة ، وألزمهم بحفر آبار لتلك المياه القذرة صيانة لماء الشرب .
وفي شوال وقعت
نار في أماكن متعددة في بغداد ، حتى في دار الخلافة فأحرقت شيئا كثيرا من الدور والدكاكين .
ووقع بواسط حريق في تسعة أماكن ، واحترق فيها أربعة وثمانون دارا وستة خانات ، وأشياء كثيرة غير ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفيها عمل الرصد للسلطان
ملكشاه اجتمع عليه جماعة من أعيان المنجمين وأنفق عليه أموالا كثيرة وبقي الرصد دائرا حتى مات السلطان فبطل .
وفي ذي الحجة أعيدت الخطبة
بمكة للمصريين وقطعت خطبة
العباسيين ، وذلك لما قوي أمر صاحب
مصر بعدما كان ضعيفا بسبب غلاء بلده ، فلما أرخصت تراجع الناس إليها وطاب العيش بها ، وقد كانت الخطبة العباسية
بمكة أربع سنين وخمسة أشهر ، وستعود كما كانت على ما سيأتي بيانه في موضعه
وفي هذا الشهر انجفل أهل السواد من شدة الوباء وقلة ماء
دجلة ونقصها . وحج بالناس
الشريف أبو طالب الحسيني بن محمد الزينبي وأخذ البيعة للخليفة
المقتدي .