[ ص: 234 ] ذكر
إدريس عليه السلام
قال الله تعالى :
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا [ مريم : 56 - 57 ] .
فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ، ووصفه بالنبوة والصديقية ، وهو
خنوخ هذا ، وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما ذكره غير واحد من علماء النسب ، وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد
آدم وشيث عليهما السلام ، وذكر
ابن إسحاق أنه
أول من خط بالقلم ، وقد أدرك من حياة
آدم ثلاثمائة سنة ، وثماني سنين ، وقد قال طائفة من الناس : إنه المشار إليه في حديث
معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509730إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك . ويزعم كثير من علماء التسيير والأحكام : أنه أول من تكلم في ذلك ، ويسمونه هرمس الهرامسة ، ويكذبون عليه أشياء كثيرة ، كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء .
وقوله تعالى : ورفعناه مكانا عليا . هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة ، وقد روى
ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، عن
ابن وهب ، عن
[ ص: 235 ] جرير بن حازم ، عن
الأعمش ، عن
شمر بن عطية ، عن
هلال بن يساف قال : سأل
ابن عباس كعبا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله تعالى
لإدريس :
ورفعناه مكانا عليا ؟ قال
كعب : أما
إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني
آدم لعله من أهل زمانه ، فأحب أن يزداد عملا ، فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إلي كذا وكذا ، فكلم ملك الموت فليؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه ، ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه
إدريس ، فقال : وأين
إدريس ؟ قال : هو ذا على ظهري . فقال ملك الموت : فالعجب بعثت وقيل لي : اقبض روح
إدريس في السماء الرابعة . فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ! فقبض روحه هناك ، فذلك قول الله عز وجل :
ورفعناه مكانا عليا . ورواه
ابن أبي حاتم عند تفسيرها وعنده . فقال لذلك الملك : سل لي ملك الموت كم بقي من عمري ؟ فسأله وهو معه كم بقي من عمره ، فقال : لا أدري حتى أنظر . فنظر فقال : إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين . فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى
إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر ، وهذا من الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة ، وقول
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله :
ورفعناه مكانا عليا . قال :
إدريس رفع ولم يمت ، كما رفع
عيسى . إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر . وإن أراد أنه رفع حيا إلى السماء ، ثم قبض هناك فلا ينافي ما تقدم عن
كعب الأحبار ،
[ ص: 236 ] والله أعلم .
وقال
العوفي : عن
ابن عباس في قوله :
ورفعناه مكانا عليا . قال : رفع إلى السماء السادسة فمات بها . وهكذا قال
الضحاك ، والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح ، وهو قول
مجاهد ، وغير واحد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري :
ورفعناه مكانا عليا . قال : إلى الجنة . وقال قائلون : رفع في حياة أبيه
يرد بن مهلائيل ، والله أعلم .
وقد زعم بعضهم أن
إدريس لم يكن قبل
نوح بل في زمان
بني إسرائيل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ويذكر عن
ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : أن
إلياس هو إدريس ، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث
الزهري ، عن
أنس في الإسراء أنه لما مر به عليه السلام قال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509731مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح . ولم يقل كما قال
آدم وإبراهيم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509732مرحبا بالنبي الصالح ، والابن الصالح . قالوا : فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له . وهذا لا يدل ولا بد على ذلك لأنه قد لا يكون الراوي حفظه جيدا أو لعله قاله له على سبيل الهضم والتواضع ، ولم ينتصب له في مقام الأبوة ، كما انتصب
لآدم أبي البشر ،
وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن ، وهو أكبر أولي العزم بعد
محمد صلوات الله عليهم أجمعين .