وممن توفي فيها من الأعيان :
عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو محمد السمرقندي أخو أبي القاسم ، وكان
أبو محمد هذا أحد حفاظ الحديث ، وقد زعم أن عنده ما ليس عند
nindex.php?page=showalam&ids=12013أبي زرعة الرازي ، صحب
الخطيب مدة ، وجمع وألف وصنف ورحل إلى الآفاق ، وكانت وفاته يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من هذه السنة ، عن ثمانين سنة .
علي بن أحمد أبو طالب السميرمي ،
نسبة إلى قرية
بأصبهان ، كان وزير
السلطان محمود ، وكان مجاهرا بالظلم والفسق ، وأحدث على الناس مكوسا وجددها بعدما كانت قد أزيلت ، من مدة متطاولة ، وكان يقول : قد استحييت من كثرة الظلم لمن لا ناصر له ، وكثرة ما أحدثت من السنن السيئة .
ولما عزم على الخروج إلى
همذان أحضر المنجمين ، فضربوا له تحت رمل لساعة
[ ص: 259 ] خروجه ؛ ليكون أسرع لعوده ، فخرج في تلك الساعة وبين يديه السيوف المسلولة ، والمماليك بالعدد الباهرة ، ومع هذا جاءه باطني فضربه فقتله في الساعة الراهنة بعدما ضربه غير ما مرة في مقاتله ثم ذبحه كما تذبح الشاة ، والمماليك يضربون بالسيوف والنبال في ظهره ولا يبالي بشيء من ذلك ; حتى قتله ثم مات بعده ، ورجع نساؤه حاسرات عن وجوههن ; قد أبدلهن الله الذلة بعد العزة ، والخوف بعد الأمن ، وكان ذلك يوم الثلاثاء سلخ صفر ، وما أشبه حالهن بقول
nindex.php?page=showalam&ids=11876أبي العتاهية في
الخيزران وجواريها حين مات
المهدي :
رحن في الوشي وأصبحن عليهن المسوح كل نطاح من الناس له يوم نطوح لتموتن ولو عمرت ما عمر نوح
فعلى نفسك نح إن كنت لا بد تنوح
nindex.php?page=showalam&ids=14095الحريري صاحب المقامات
القاسم بن علي بن محمد بن عثمان فخر الدولة أبو محمد الحريري البصري ، مؤلف المقامات التي سارت بفصاحتها الركبان ، وكاد يربي فيها على سحبان ، ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل باللغة والنحو ، وصنف في ذلك كله وفاق أهل زمانه ، وبرز على أقرانه ، وأقام
ببغداد وعمل صناعة الإنشاء مع الكتب في باب الخليفة ،
[ ص: 260 ] ولم يكن ممن تنكر بديهته ولا تتعكر فكرته وقريحته . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : سمع الحديث ، وحدث وقرأ الأدب واللغة ، وفاق أهل زمانه بالذكاء والفطنة والفصاحة ، وحسن العبارة ، وصنف المقامات المعروفة ، من تأملها عرف قدر منشئها ، توفي في هذه السنة
بالبصرة ، وقد قيل : إن
أبا زيد والحارث بن همام لا وجود لهما ، وإنما جعل هذه المقامات من باب الأمثال . ومنهم من يقول :
أبو زيد المطهر بن سلار السروجي كان له وجود ، وكان فاضلا ، وله علم ومعرفة باللغة ، فالله أعلم .
وذكر القاضي
ابن خلكان أن
أبا زيد كان اسمه
المطهر بن سلار ، وكان بصريا فاضلا في النحو واللغة ، وكان يشتغل على
nindex.php?page=showalam&ids=14095الحريري بالبصرة ، وأما
الحارث بن همام فإنما عنى به نفسه ; لما جاء في الحديث
" كلكم حارث ، وكلكم همام " كذا قال القاضي . وإنما اللفظ المحفوظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512777 " أصدق الأسماء حارث وهمام " ; لأن كل أحد إما حارث وهو الفاعل أو همام من الهمة وهو العزم والخطرة ، وذكر أن أول مقامة عملها الثامنة والأربعون ، وهي الحرامية ، وكان سببها أنه دخل عليهم في مسجد
البصرة رجل ذو طمرين فصيح اللسان ، فاستسموه ، فقال
أبو زيد السروجي : فعمل فيه هذه المقامة ، فأشار عليه وزير الخليفة
المسترشد ، وهو
جلال الدين عميد الدولة أبو علي الحسن بن أبي العز علي بن صدقة ، قال
ابن خلكان : كذا رأيته في نسخة بخط المصنف
[ ص: 261 ] على حاشيتها ، وهذا أصح ممن قال : هو الوزير
شرف الدين أبو نصر أنوشروان بن خالد بن محمد القاشاني ، وهو وزير
المسترشد أيضا ، ويقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=14095الحريري كان قد عملها أربعين مقامة ، فلما قدم
بغداد ولم يصدق في ذلك ، وامتحنه بعض الوزراء فجلس ناحية وأخذ دواة وقرطاسا فلم يتيسر له ، حتى عاد إلى بلده فعمل عشرة أخرى ، فأتمها خمسين مقامة ، وقد قال فيه
أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر ، وكان من جملة المكذبين له فيها :
شيخ لنا من ربيعة الفرس ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما رماه وسط الديوان بالخرس
ومعنى قوله
بالمشان : هو مكان
بالبصرة ، ويذكر أنه كان صدر ديوان المشان ، ويقال : إنه كان ذميم الخلق ، فاتفق أن رجلا رحل إليه فلما رآه ازدراه ففهم
nindex.php?page=showalam&ids=14095الحريري ذلك فأنشأ يقول :
ما أنت أول سار غره قمر ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترني
ويقال : إن المعيدي اسم حصان جواد كان في العرب دميم الخلقة . والله أعلم .
[ ص: 262 ] البغوي nindex.php?page=showalam&ids=13889الحسين بن مسعود بن محمد
أبو محمد البغوي ، صاحب " التفسير " و " شرح السنة " و " التهذيب " في الفقه ، و " الجمع بين الصحيحين " و " المصابيح " في الصحاح والحسان ، وغير ذلك ، اشتغل على
القاضي حسين ، وبرع في هذه العلوم ، وكان علامة زمانه فيها ، وكان دينا ورعا زاهدا عابدا صالحا ، توفي في شوال من هذه السنة ، وقيل : في سنة عشر ، فالله أعلم . ودفن مع شيخه القاضي حسين بالطالقان . والله أعلم .