[ ص: 231 ] ذكر
عزم الصديق على الهجرة إلى الحبشة قال
ابن إسحاق : وقد كان
أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12300محمد بن مسلم الزهري عن
عروة عن
عائشة ، حين ضاقت عليه
مكة ، وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر
قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة ، فأذن له ، فخرج
أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا ، حتى إذا سار من
مكة يوما أو يومين ، لقيه
ابن الدغنة أخو
بني الحارث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد الأحابيش قال
الواقدي : اسمه
الحارث بن يزيد أحد بني بكر من عبد مناة بن كنانة . وقال
السهيلي : اسمه
مالك فقال : إلى أين يا
أبا بكر ؟ قال : أخرجني قومي ، وآذوني ، وضيقوا علي . قال : ولم ؟ فوالله إنك لتزين العشيرة ، وتعين على النوائب ، وتفعل المعروف وتكسب المعدوم ، ارجع فإنك في جواري . فرجع معه حتى إذا دخل
مكة قام
ابن الدغنة فقال : يا معشر
قريش ، إني قد أجرت
ابن أبي قحافة فلا يعرض له أحد إلا بخير .
[ ص: 232 ] قالت : فكفوا عنه . قالت : وكان
لأبي بكر مسجد عند باب داره في
بني جمح ، فكان يصلي فيه ، وكان رجلا رقيقا ، إذا قرأ القرآن استبكى . قالت : فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء ، يعجبون لما يرون من هيئته . قالت : فمشى رجال من
قريش إلى
ابن الدغنة فقالوا : يا
بن الدغنة إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا ، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به
محمد يرق ، وكانت له هيئة ونحو ، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفائنا أن يفتنهم ، فأته فمره بأن يدخل بيته ، فليصنع فيه ما شاء . قالت : فمشى
ابن الدغنة إليه ، فقال : يا
أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك ، وقد كرهوا مكانك الذي أنت به ، وتأذوا بذلك منك ، فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت . قال : أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله . قال : فاردد علي جواري . قال : قد رددته عليك . قالت : فقام
ابن الدغنة فقال : يا معشر
قريش إن
ابن أبي قحافة قد رد علي جواري ، فشأنكم بصاحبكم .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الإمام البخاري هذا الحديث متفردا به ، وفيه زيادة حسنة ، فقال : حدثنا
يحيى بن بكير حدثنا
الليث عن
عقيل قال
ابن شهاب : فأخبرني
عروة بن الزبير أن
عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : لم أعقل أبوي قط
[ ص: 233 ] إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج
أبو بكر مهاجرا نحو أرض
الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه
ابن الدغنة وهو سيد القارة ، فقال أين تريد يا
أبا بكر ؟ فقال
أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . فقال
ابن الدغنة : فإن مثلك يا
أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، ارجع فاعبد ربك ببلدك . فرجع وارتحل معه
ابن الدغنة وطاف
ابن الدغنة عشية في أشراف
قريش ، فقال لهم : إن
أبا بكر لا يخرج مثله ، ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ؟ ! فلم تكذب
قريش بجوار
ابن الدغنة وقالوا
لابن الدغنة : مر
أبا بكر فليعبد ربه في داره ، وليصل فيها وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ، ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا . فقال ذلك
ابن الدغنة لأبي بكر فلبث
أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ، ولا يستعلن بصلاته ، ولا يقرأ في غير داره ، ثم بدا
لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره ، وكان يصلي فيه ، ويقرأ القرآن ، فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، يعجبون منه وينظرون إليه ،
[ ص: 234 ] وكان أبو بكر رجلا بكاء ، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف
قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى
ابن الدغنة فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا
أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، فأعلن في الصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتتن أبناؤنا ونساؤنا ، فانهه ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره ، فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك ، فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين
لأبي بكر الاستعلان . قالت
عائشة : فأتى
ابن الدغنة إلى
أبي بكر فقال : قد علمت الذي قد عاقدت لك عليه . فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترد إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال
أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار الله عز وجل . ثم ذكر تمام الحديث في هجرة
أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي مبسوطا .
قال
ابن إسحاق : وحدثني
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : لقيه يعني
أبا بكر الصديق حين خرج من جوار
ابن الدغنة سفيه من سفهاء
قريش ، وهو عامد إلى
الكعبة ، فحثا على رأسه ترابا ، فمر
بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو
العاص بن وائل فقال له
أبو بكر رضي الله عنه : ألا ترى ما يصنع هذا السفيه ؟ فقال : أنت فعلت
[ ص: 235 ] ذلك بنفسك . وهو يقول : أي رب ، ما أحلمك ! أي رب ، ما أحلمك ! أي رب ، ما أحلمك !
فصل : كل هذه القصص ذكرها
ابن إسحاق معترضا بها بين تعاقد
قريش على
بني هاشم وبني المطلب ، وكتابتهم عليهم الصحيفة الظالمة ، وحصرهم إياهم في الشعب ، وبين نقض الصحيفة ، وما كان من أمرها ، وهي أمور مناسبة لهذا الوقت ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : من أراد المغازي فهو عيال على
ابن إسحاق