[ ص: 440 ] ثم دخلت
سنة خمس وستين وخمسمائة
في صفر منها
حاصرت الفرنج مدينة دمياط من بلاد مصر خمسين يوما ; بحيث ضيقوا على أهلها وقتلوا أمما كثيرة ; جاءوا إليها من البر والبحر ; رجاء أن يملكوا الديار المصرية وخوفا من استيلاء المسلمين على
القدس ، فكتب
صلاح الدين إلى
نور الدين يستنجده عليهم ويطلب منه أن يرسل إليه بأمداد من الجيوش ; فإنه إن خرج من
مصر خلفه أهلها بسوء ، وإن قعد عن الفرنج أخذوا
دمياط وجعلوها معقلا لهم يتقوون بها على أخذ
مصر ، فأرسل إليه
نور الدين ببعوث كثيرة يتبع بعضها بعضا ، ثم إن
نور الدين اغتنم غيبة الفرنج عن بلادهم فصمد إليهم في جيوش كثيرة ، فجاس خلال ديارهم وغنم من أموالهم وقتل من رجالهم وسبى من نسائهم وأطفالهم شيئا كثيرا ، وكان من جملة من أرسل إلى
صلاح الدين أبوه الأمير
نجم الدين أيوب في جيش من تلك الجيوش ومعه بقية أولاده ، فتلقاه الجيش من
مصر في رجب وخرج
العاضد لتلقيه إكراما لولده
صلاح الدين ، وأقطعه
الإسكندرية ودمياط والبحيرة ، وكذلك بقية أولاده ، وقد أمد
العاضد صلاح الدين في هذه الكائنة بألف ألف دينار ، حتى انفصلت الفرنج عن
دمياط
وأجلت الفرنج عن
دمياط ; لأنه بلغهم أن الملك
نور الدين قد غزا بلادهم ، وقتل خلقا من رجالهم وسبى كثيرا من نسائهم وأطفالهم وغنم مالا جزيلا من
[ ص: 441 ] أموالهم ، فجزاه الله عن المسلمين خيرا ، ثم سار
نور الدين في جمادى الآخرة إلى
الكرك ; فحاصرها وكانت من أمنع البلاد وكاد أن يفتحها ولكن بلغه أن مقدمين من الفرنج قد أقبلا نحو
دمشق ، فخاف أن يلتف عليهما الفرنج ، فترك الحصار وأقبل نحو
دمشق فحصنها ، ولما انجلت الفرنج عن
دمياط فرح
نور الدين والمسلمون فرحا شديدا ، وأنشد الشعراء كل منهم في ذلك قصيدا ، وقد كان الملك
نور الدين شديد الاهتمام قوي الاغتمام بذلك ; حتى إنه قرأ عليه بعض طلبة الحديث جزءا فيه حديث مسلسل بالتبسم ، فطلب منه أن يبتسم ليتصل التسلسل ، فامتنع من ذلك ، وقال : إني لأستحيي من الله أن يراني متبسما والمسلمون تحاصرهم الفرنج بثغر
دمياط ،
وقد ذكر الشيخ
أبو شامة أن إمام
مسجد أبي الدرداء بالقلعة المنصورة رأى في تلك الليلة التي أجلى فيها الفرنج عن
دمياط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له سلم على
نور الدين وبشره بأن الفرنج قد رحلوا عن
دمياط ، . فقلت : يا رسول الله بأي علامة ؟ فقال : بعلامة ما سجد يوم
تل حارم وقال : في سجوده اللهم انصر دينك ولا تنصر
محمودا ومن هو
محمود الكلب حتى ينصر ؟ فلما صلى
نور الدين عنده الصبح بشره بذلك وأعلمه بالعلامة ، وكشفوا تلك الليلة فإذا هي هي .
قال
العماد الكاتب : وفي هذه السنة عمر الملك
نور الدين جامع داريا
[ ص: 442 ] وعمر مشهد الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبي سليمان الداراني بها ، وشتى
بدمشق .
وفيها حاصر
نور الدين الكرك أربعة أيام ، وفارقه من هناك
نجم الدين أيوب والد
صلاح الدين متوجها إلى ابنه
بمصر ، وقد وصاه الملك
نور الدين أن يأمر ابنه
صلاح الدين أن يخطب
بمصر للخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=15231المستنجد بالله العباسي ، وذلك أن الخليفة بعث يعاتبه في ذلك وفيها قدم الفرنج من السواحل ليمنعوا
الكرك مع
قريب بن الرقيق وابن هنفرى - وكانا أشجع فرسان الفرنج - فقصدهما
نور الدين ; ليلقاهما فحادا عن طريقه . وفيها كانت زلزلة عظيمة
بالشام والجزيرة وعمت أكثر الأرض ، فتهدمت أسوار كثيرة
بالشام ، وسقطت دور كثيرة على أهلها ، ولاسيما
بدمشق وحمص وحماة وحلب وبعلبك ; سقطت أسوارها وأكثر قلعتها فجدد
نور الدين عمارة أكثر ما سقط بهذه الزلزلة
وفيها توفي
الملك قطب الدين مودود بن زنكي
أخو
nindex.php?page=showalam&ids=17217نور الدين محمود صاحب
الموصل وله من العمر أربعون سنة ، ومدة ملكه منها إحدى وعشرون سنة ، وكان من خيار الملوك ، محببا إلى الرعية عطوفا عليهم ، محسنا
[ ص: 443 ] إليهم ، حسن الشكل ، وتملك من بعده ولده
سيف الدين غازي من الست
خاتون بنت تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق أصحاب ماردين ، وكان مدبر مملكته والمتحكم فيها
فخر الدين عبد المسيح ، وكان ظالما غاشما .
وفيها كانت حروب كثيرة بين ملوك الغرب
بجزيرة الأندلس ، وكذلك كانت حروب كثيرة بين ملوك الشرق أيضا
وحج بالناس في هذه السنة والتي قبلها الأمير
أرغش الكبير .