فصل في
صفة فتح صفد وحصن كوكب
لم يقم السلطان
بدمشق إلا أياما معددة حتى خرج بجيشه قاصدا
بلاد صفد ، فنازلها في العشر الأوسط من رمضان ، وحاصرها بالمنجنيقات والشجعان ، وكان البرد شديدا يصبح الماء فيه جليدا ، فما زال حتى فتحها صلحا في ثامن شوال ، ولله الحمد على كل حال .
[ ص: 603 ] ثم سار إلى
صور فألقت إليه بقيادها ، وتبرأت من ناصريها وقوادها ، وتحققت - لما فتحت
صفد - أنها مقرونة بأصفادها .
ثم سار منها إلى
حصن كوكب - وهي معقل
الإسبتارية كما أن
صفد كانت معقل
الداوية - وكانوا أبغض أجناس
الفرنج إلى الملك
الناصر صلاح الدين ، الذي لا يكاد يترك منهم أحدا إلا قتله ; إذا وقع في المأسورين - فحاصر
قلعة كوكب حتى قهرها ، وقتل مقاتلتها وأسرها وأراح المارة من شر ساكنيها ، وتمهدت تلك السواحل واستقر بها منازل قاطنيها . هذا والسماء تصب ، والرياح تهب ، والسيول تعب ، والأرجل في الأوحال تخب ، والسلطان في كل ذلك صابر مصابر محتسب ، وكان
القاضي الفاضل معه في هذه المواقف شاهدا مرتقبا ، وكتب
القاضي الفاضل عن السلطان إلى أخيه
سيف الإسلام صاحب
اليمن يستدعيه إلى
الشام لنصرة أهل الإسلام وقتل الكفرة اللئام ، فإنه قد عزم على حصار
أنطاكية ويكون
تقي الدين عمر محاصرا
لطرابلس إذا انسلخ هذا العام . ثم عزم
القاضي الفاضل على الدخول إلى
الديار المصرية ، فسار السلطان معه لتوديعه ثم عدل إلى
القدس الشريف ، فصلى فيه الجمعة ، وعيد فيه عيد الأضحى بالصخرة من الأقصى ، ثم سار ومعه أخوه العادل إلى
عسقلان ثم أقطع أخاه
الكرك عوضا عن
عسقلان وأمره بالانصراف ليكون عونا لابنه العزيز على حوادث الزمان ، وعاد السلطان فأقام بمدينة
عكا حتى انسلخت هذه السنة .
وفي هذه السنة
خرجت طائفة من الرافضة بمصر يريدون أن يعيدوا دولة الفاطميين ، واغتنموا غيبة
العادل عن
مصر ، واستخفوا أمر العزيز
[ ص: 604 ] عثمان بن صلاح الدين ، فبعثوا اثني عشر رجلا ينادون في الليل : يا لعلي ، يا لعلي . بناء على أن العامة تجيبهم إلى ما عزموا عليه ، فلم يلتفت إليهم أحد ولا منعهم من الناس أحد فلما رأوا ذلك انهزموا فأدركوا وأخذوا وقيدوا وحبسوا ، ولما بلغ أمرهم إلى
السلطان صلاح الدين ساءه ذلك واهتم له ، وكان
الفاضل عنده بعد لم يفارقه ، فقال له : أيها الملك ينبغي أن تفرح ولا تحزن ، فإنه لم يصغ إلى دعوة هؤلاء الجهلة أحد من رعيتك ولو التفتوا إليهم ، فلو أنك بعثت من قبلك جواسيس يختبرون رعيتك لسرك ما يبلغك عنهم . فسرى ذلك عنه ، ورجع إلى قوله ، ولهذا أرسله إلى
مصر ; ليكون له عينا وعونا معينا .