وممن
توفي فيها من الأعيان :
السلطان
علاء الدين خوارزمشاه
تكش بن ألب أرسلان بن أتسز من ولد
طاهر بن الحسين ، وهو صاحب
خوارزم وبعض
خراسان والري وغير ذلك من الأقاليم المتسعة ، وهو الذي قطع دولة السلاجقة ، كان عادلا حسن السيرة ، وله معرفة جيدة بالموسيقى ، حسن المعاشرة ، فقيها على مذهب أبي حنيفة ، ويعرف الأصول وبنى للحنفية مدرسة عظيمة ، ودفن بتربة بناها بخوارزم ، وقام في الملك من بعده ولده
علاء الدين محمد ، وكان يلقب بقطب الدين . وفيها قتل وزير السلطان
خوارزم شاه .
نظام الدين مسعود بن علي
وكان حسن السيرة ، شافعي المذهب ، له مدرسة عظيمة
بخوارزم ، وجامع هائل ، وبنى
بمرو جامعا عظيما
[ ص: 695 ] للشافعية ، فحسدهم الحنابلة ، وشيخهم بها يقال له : شيخ الإسلام . فيقال : إنهم أحرقوه . وهذا إنما يصدر من قلة الدين والعقل واحترام معابد الإسلام ، فأغرمهم السلطان
خوارزمشاه ما غرم الوزير على بنائه .
وفيها توفي الشيخ المسند المعمر رحلة الوقت
أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن صدقة بن الخضر بن كليب الحراني الأصل ، البغدادي المولد والدار والوفاة
، عن ست وتسعين سنة ، سمع الكثير وأسمع ، وتفرد بالرواية عن جماعة من المشايخ ، وكان من أعيان التجار وذوي الثروة ؛ رحمه الله تعالى .
الفقيه مجد الدين
أبو محمد طاهر بن نصر بن جهبل ، مدرس
القدس الشريف ، أول من درس بالصلاحية ، وهو والد الفقهاء ;
بني جهبل الذين كانوا بالمدرسة الجاروخية ، ثم صاروا إلى العمادية والدماغية في أيامنا هذه ، ثم ماتوا ولم يبق إلا شرحهم .
الأمير
صارم الدين قايماز بن عبد الله النجمي
كان من أكابر الدولة
[ ص: 696 ] الصلاحية كان عند
صلاح الدين بمنزلة أستادار ؛ وهو الذي تسلم القصر حين مات
العاضد ، فحصل له أموال جزيلة جدا ، وكان كثير الصدقات والأوقاف ، تصدق في يوم بسبعة آلاف دينار عينا ، وهو واقف المدرسة القيمازية شرقي القلعة المنصورة ، وقد كانت دار الحديث الأشرفية دارا لهذا الأمير ، وله بها حمام ، فاشترى ذلك
الملك الأشرف فيما بعد
موسى بن العادل ، وبناها دار حديث ، وأخرب الحمام وبناه مسكنا للشيخ المدرس بها ، ولما توفي ودفن في قبره ، نبشت دوره وحواصله ، وكان متهما بمال جزيل ، فكان متحصل ما جمع من ذلك مائة ألف دينار ، وكان يظن أن عنده أكثر من ذلك ، ولكن كان يدفن أمواله في الخراب من أراضي ضياعه وقراياه . فسامحه الله وبل بالرحمة ثراه .
الأمير الكبير لؤلؤ
أحد الحجاب
بالديار المصرية ، كان من أكابر الأمراء في الدولة الصلاحية ، وهو الذي كان يتسلم الأسطول بالبحر ، فيكون كالشجا في حلوق
الفرنج والنحر في النحر ، فكم من شجاع قد أسر ، وكم من مركب قد
[ ص: 697 ] كسر ، وكم من أسطول لهم قد فرق شمله ، ومن بطسة وقارب قد غرق أهله ، وقد كان مع كثرة جهاده دار الصدقات ، كثير النفقات في كل يوم ، وكان بديار
مصر غلاء شديد فتصدق باثني عشر ألف رغيف ، لاثني عشر ألف فقير ؛ فجزاه الله خيرا ورحمة في قبره ، وبيض وجهه يوم محشره ومنشره ؛ آمين .
الشيخ الإمام الفقيه العلامة
شهاب الدين الطوسي
أحد مشايخ الشافعية بديار
مصر ، وشيخ المدرسة المنسوبة إلى تقي الدين
عمر بن شاهنشاه بن أيوب التي يقال لها : منازل العز . وهو من أصحاب
محمد بن يحيى تلميذ الغزالي ، كان له قدر ومنزلة عند ملوك
مصر ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، إلى أن توفي ؛ رحمه الله ، في هذه السنة ، فازدحم الناس على جنازته ، وتأسفوا عليه .
الشيخ ظهير الدين عبد السلام الفارسي
شيخ الشافعية بحلب ، أخذ الفقه عن
محمد بن يحيى تلميذ الغزالي ، وتلمذ
للفخر الرازي ، ورحل إلى
مصر فعرض عليه أن يدرس بتربة الشافعي فلم يقبل ، فسار إلى
حلب فأقام بها إلى أن توفي في هذه السنة .
الشيخ العلامة بدر الدين بن عسكر
رئيس الحنفية
بدمشق ، قال
أبو شامة : ويعرف
بابن العقادة .
[ ص: 698 ] الشاعر الماهر الهمام العبدي ، وهو
أبو الحسن .
علي بن نصر بن عقيل بن أحمد بن علي بن عبد القيس بن ربيعة وهو بغدادي ، قدم
دمشق في سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، ومعه ديوان شعر له ، فيه درر
حسان وفرائد وعقائد وعقيان ، وقد تصدى لمدح
الملك الأمجد صاحب
بعلبك ومن قبله وله :
وما الناس إلا كامل الحظ ناقص وآخر منهم ناقص الحظ كامل وإني لمثر من حياء وعفة
وإن لم يكن عندي من المال طائل
وفيها توفي :
القاضي الفاضل الإمام العلامة شيخ الفصحاء والبلغاء .
أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف
أبي المجد علي بن الحسن بن البيساني المولى الأجل
القاضي الفاضل ، كان أبوه قاضيا
بعسقلان ، فأرسل ولده في الدولة الفاطمية إلى
الديار المصرية ، فاشتغل بها بكتابة الإنشاء على
أبي الفتح قادوس وغيره ، فساد أهل البلاد حتى
بغداد ولم يكن له في زمانه نظير ، ولا عديد ولا فيما بعده إلى وقتنا هذا مماثل ولا مناظر ولا نديد ، ولما استقر
الملك صلاح الدين في
الديار المصرية جعله كاتبه وصاحبه ووزيره وجليسه وأنيسه ، وكان أعز عليه من أهله وأولاده ، وأكرم عليه من طريفه وتلاده ، وتساعدا حتى فتح الأقاليم والبلدان والحصون والمعاقل ، هذا بحسامه وسنانه ، وهذا بقلمه ولسانه وبيانه ، وقد كان
القاضي الفاضل من كثرة أمواله ووجاهته ورياسته كثير الصدقات
[ ص: 699 ] والصلات والصيام والصلاة ، وكان يواظب كل يوم وليلة على ختمة كاملة ، مع ما يزيد عليها من نافلة ، رحيم القلب ، حسن السيرة ، طاهر القلب والسريرة ، له مدرسة بديار
مصر على الشافعية والمالكية ، وأوقاف على تخليص الأسارى من أيدي
النصارى ، وقد اقتنى من الكتب نحوا من مائة ألف كتاب ، وهذا شيء لم يفرح به أحد من الوزراء ولا العلماء ولا الملوك ولا الكتاب ، كان مولده في سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة ، وقد كانت وفاته في يوم دخل
العادل إلى قصر
مصر بمدرسته فجأة ، يوم الثلاثاء سادس ربيع الآخر ، واحتفل الناس بجنازته ، وزار قبره في اليوم الثاني
الملك العادل ، وتأسف عليه ، ويقال : إنه استوزر
الملك العادل صفي الدين بن شكر ، فلما سمع
الفاضل بذلك دعا الله أن لا يحييه إلى هذه الدولة ، لما بينهما من المنافسة ، فمات ؛ رحمه الله ، ولم ينله أحد بضيم ولا أذى ، ولا رأى في الدولة من هو أكبر منه ، وقد رثاه الشعراء بأشعار حسنة ، منها قول القاضي
هبة الله بن سناء الملك :
عبد الرحيم على البرية رحمة أمنت بصحبتها حلول عقابها
يا سائلا عنه وعن أسبابه نال السماء فسله عن أسبابها
والدهر يعلم أن فيصل خطبه بخطا يراعته وفصل خطابها
ولقد علت رتب الأجل على الورى بسمو منصبها وطيب نصابها
وأتته خاطبة إليه وزارة ولطالما أعيت على خطابها
[ ص: 700 ] ما لقبوه بها لأن يعلو بها أسماؤه أغنته عن ألقابها
قال الزمان لغيره إذ رامها تربت يمينك لست من أترابها
اذهب طريقك لست من أربابها وارجع وراءك لست من أصحابها
وبعز سيدنا وسيد غيرنا ذلت من الأيام شمس صعابها
وأتت سعادته إلى أبوابه لا كالذي يسعى إلى أبوابها
تعنو الملوك لوجهه بوجوهها لا بل تساق لبابه برقابها
شغل الملوك بما يزول ونفسه مشغولة بالذكر في محرابها
في الصوم والصلوات أتعب نفسه وضمان راحته على إتعابها
وتعجل الإقلاع عن لذاته ثقة بحسن مآلها ومآبها
فلتفخر الدنيا بسائس ملكها منه ودارس علمها وكتابها
صوامها قوامها علامها عمالها بذالها وهابها
والعجب أن
القاضي الفاضل مع براعته وفصاحته التي لا تدانى ولا تجارى لا يعرف له قصيدة طويلة طنانة ، بل له ما بين بيت وبيتين في أثناء الرسائل وغيرها شيء كثير جدا ، فمن ذلك قوله :
سبقتم بإسداء الجميل تكرما وما مثلكم فيمن تحدث أو حكى
وقد كان ظني أن أسابقكم به ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا
ومن ذلك قوله :
[ ص: 701 ] ولي صاحب ما خفت من جور حادث من الدهر إلا كان لي من ورائيه
إذا عضني صرف الزمان فإنني براياته أسطو عليه ورائيه
وله في بدو أمره :
أرى الكتاب كلهم جميعا بأرزاق تعمهم سنينا
وما لي بينهم رزق كأني خلقت من الكرام الكاتبينا
وله في النحلة والزلقطة :
ومغردين تجاوبا في مجلس فنفاهما لأذاهما الأقوام
هذا يجود بعكس ما يأتي به هذا فيحمد ذا وذاك يذام
وله في ممسحة القلم :
ممسحة نهارها يجن ليل الظلم كأنها من طرفها منديل كف القلم
وقوله :
بتنا على حال تسر الهوى لكنه لا يمكن الشرح
بوابنا الليل وقلنا له إن غبت عنا هجم الصبح
وسأله
الملك العزيز عثمان بن الناصر عن جارية من حظاياه ؛ أرسلت إليه زرا من ذهب مغلف بعنبر أسود ، فأنشأ
الفاضل يقول :
[ ص: 702 ] أهدت لك العنبر في وسطه زر من التبر رقيق اللحام
فالزر في العنبر معناهما زر هكذا مختفيا في الظلام
قال القاضي
ابن خلكان وقد اختلف في لقبه ، فقيل :
محيي الدين ، وقيل : مجير الدين . وحكي عن
عمارة اليمني أنه ذكره بذكر جميل ، وأن
العادل بن الصالح بن رزيك هو الذي استقدمه من
الإسكندرية ، وقد كان معدودا في حسناته . وقد بسط
ابن خلكان ترجمته بنحو ما ذكرنا ، وفي هذه زيادة كثيرة . والله أعلم .