فصل
وقد ذكر
محمد بن إسحاق سماع الجن لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك مرجعه من
الطائف حين بات
بنخلة ، وصلى بأصحابه الصبح ، فاستمع الجن الذين صرفوا إليه قراءته هنالك . قال
ابن إسحاق : وكانوا سبعة نفر ، فأنزل الله تعالى فيهم قوله :
وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن [ الأحقاف : 29 ]
قلت : وقد تكلمنا على ذلك مستقصى في " التفسير " ، وتقدم قطعة من ذلك . فالله أعلم . ثم
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مرجعه من الطائف في جوار المطعم بن عدي ، وازداد قومه عليه حنقا ، وغيظا ، وجرأة ، وتكذيبا ، وعنادا . والله المستعان وعليه التكلان .
[ ص: 343 ] وقد ذكر الأموي في " مغازيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
عبد الله بن أريقط إلى
الأخنس بن شريق ، فطلب منه أن يجيره
بمكة ، فقال : إن حليف
قريش لا يجير على صميمها . ثم بعثه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو ; ليجيره ، فقال : إن
بني عامر بن لؤي لا تجير على
بني كعب بن لؤي . فبعثه إلى
المطعم بن عدي ; ليجيره ، فقال : نعم ، قل له فليأت . فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبات عنده تلك الليلة ، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة - أو سبعة - متقلدي السيوف جميعا ، فدخلوا المسجد وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : طف . واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف ، فأقبل
أبو سفيان إلى
مطعم ، فقال : أمجير أم تابع ؟ قال : لا ، بل مجير . قال : إذا لا تخفر . فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه ، فلما انصرف انصرفوا معه ، وذهب
أبو سفيان إلى مجلسه . قال : فمكث أياما ثم أذن له في الهجرة ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة توفي
المطعم بن عدي بعده بيسير ، فقال
حسان بن ثابت : والله لأرثينه ، فقال فيما قال :
فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا من الناس نجى مجده اليوم مطعما أجرت رسول الله منهم فأصبحوا
عبادك ما لبى محل وأحرما فلو سئلت عنه معد بأسرها
وقحطان أو باقي بقية جرهما لقالوا هو الموفي بخفرة جاره
وذمته يوما إذا ما تذمما [ ص: 344 ] وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم
على مثله فيهم أعز وأكرما أبيا إذا يأبى وألين شيمة
وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
قلت : ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أسارى
بدر : " لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له " .