صفة أخذ الفرنج دمياط
لما انتهى الخبر بموت
العادل إلى ابنه
محمد الكامل ، وهو بثغر
دمياط مرابط
الفرنج ، أضعف ذلك أعضاد المسلمين وفشلوا ، ثم بلغ
الكامل خبر آخر أن الأمير
أحمد بن علي بن المشطوب ، وكان أكبر أمير
بمصر ، قد أراد أن يبايع
للفائز عوضا عن
الكامل ، فساق وحده جريدة من
دمياط قاصدا إلى
مصر لاستدراك هذا الخطب الجسيم ، فلما فقده الجيش من بينهم انحل نظامهم ، واعتقدوا أنه قد حدث أمر أكبر مما بلغهم ، فركبوا وراءه ، فدخلت
الفرنج بأمان إلى
الديار المصرية ، واستحوذوا على معسكر
الكامل وأثقاله وحواصل الجيش ، فوقع أمر عظيم جدا ، وذلك بتقدير العزيز العليم ، ودخل
[ ص: 74 ] الكامل مصر ، فلم يقع مما ظنه شيء ، وهرب منه
ابن المشطوب إلى
الشام ، ثم ركب من فوره في الجيش إلى
الفرنج ، فإذا الأمر قد تزايد وقد تمكنوا هنالك من البلدان ، وقتلوا خلقا ، وغنموا شيئا كثيرا ، وعاثت هناك الأعراب على أموال الناس ببلاد
دمياط ، فكانوا أضر على المسلمين من
الفرنج ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فنزل
الكامل تجاههم يمانعهم عن دخولهم إلى
القاهرة ومصرهم بعد أن كان يمانعهم عن دخول الثغر; وكتب إلى إخوته يستحثهم ويستنجد بهم ، ويقول : الوحاء الوحاء ، العجل العجل ، أدركوا المسلمين قبل أن تملك
الفرنج جميع
الديار المصرية ، فأقبلت العساكر الإسلامية إليه عند ذلك من كل مكان ، وكان أول من قدم عليه أخوه
الأشرف موسى صاحب
الجزيرة ، بيض الله وجهه ، ثم
المعظم ، وكان من أمرهم مع
الفرنج ما سنذكر بعد هذه السنة .
وفيها ولي حسبة
بغداد الصاحب
محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وهو مع ذلك يعمل ميعاد الوعظ على قاعدة أبيه ، وشكرت مباشرته للحسبة .
وفيها فوض إلى
المعظم النظر في التربة البدرية تجاه الشبلية عند الجسر الذي على ثورا ، ويقال له : جسر كحيل ، وهي منسوبة إلى
بدر الدين حسن بن الداية ، كان هو وإخوته من أكابر أمراء
nindex.php?page=showalam&ids=17217نور الدين محمود بن زنكي .
قلت : وقد جعلت في حدود الأربعين وستمائة جامعا فيه خطبة يوم الجمعة ، ولله الحمد .
وفيها أرسل السلطان
علاء الدين محمد بن تكش إلى
الملك العادل وهو مخيم
[ ص: 75 ] بمرج الصفر ، فرد إليه مع الرسول خطيب
دمشق جمال الدين محمد بن عبد الملك الدولعي ، واستنيب عنه في الخطابة الشيخ الموفق
عمر بن يوسف خطيب بيت الآبار ، فأقام
بالعزيزية يباشر عنه ، حتى قدم موت
العادل . رحمه الله .
وفيها توفي
الملك القاهر صاحب
الموصل ، فأقيم ابنه الصغير مكانه ، ثم قتل ، وتشتت شمل البيت الأتابكي ، وتغلب على الأمور
nindex.php?page=showalam&ids=15314بدر الدين لؤلؤ غلام أبيهم
نور الدين أرسلان .
وفيها كان
عود الوزير صفي الدين بن عبد الله بن علي بن شكر من آمد إلى دمشق بعد موت العادل ، فعمل فيه
الشيخ علم الدين السخاوي مقامة يمدحه فيها ويبالغ في شكره ، وقد ذكروا أنه كان متواضعا يحب الفقهاء ، ويسلم على الناس إذا اجتاز بهم ، وهو راكب في أبهة وزارته ، ثم إنه نكب في هذه السنة ، وذلك أن
الكامل هو الذي كان سبب طرده وإبعاده ، كتب إلى أخيه
المعظم فيه ، فاحتاط على أمواله وحواصله ، وعزل ابنه عن النظر بالدواوين ، وقد كان ينوب عن أبيه في مدة غيبته .
وفي رجب منها أعاد
المعظم ضمان القيان والخمور والمغنيات وغير ذلك من الفواحش والمنكرات التي كان أبوه قد أبطلها ، بحيث إنه لم يكن أحد يتجاسر أن ينقل خمرا إلى
دمشق إلا بالحيلة الخفية ، واعتذر
المعظم في صنعه هذا المنكر بقلة الأموال على الجند ، واحتياجهم إلى النفقات في قتال
الفرنج .
[ ص: 76 ] وما استشعر أن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء ، ويمكن فيهم الداء .