وممن توفي فيها من الأعيان :
[ ص: 175 ] أبو يوسف يعقوب بن صابر الحراني
ثم البغدادي المنجنيقي ، كان فاضلا في فنه ، وشاعرا مطبقا ، لطيف الشعر ، حسن المعاني ، قد أورد له
ابن الساعي قطعة صالحة ، ومن أحسن ما أورد له قصيدة فيها تعزية عظيمة لجميع الناس ، وهي قوله :
هل لمن يرتجي البقاء خلود وسوى الله كل شيء يبيد والذي كان من تراب وإن عا
ش طويلا للتراب يعود فمصير الأنام طرا إلى ما
صار فيه آباؤهم والجدود أين حواء أين آدم إذ فا
تهم الخلد والثوى والخلود أين
هابيل أين قابيل إذ ه ذا لهذا معاند وحسود أين نوح ومن نجا معه بال
فلك والعالمون طرا فقيد أسلمته الأيام كالطفل للمو
ت ولم يغن عمره الممدود أين
عاد بل أين جنة عاد أم ترى أين صالح وثمود أين إبراهيم الذي شاد بيت
الله فهو المعظم المقصود حسدوا يوسفا أخاهم فكادو
ه ومات الحسود والمحسود وسليمان في النبوة والمل
ك قضى مثل ما قضى داود فغدوا بعد ما أطيع لذا الخل
ق وهذا له ألين الحديد وابن عمران بعد آياته التس
ع وشق الخضم فهو صعيد [ ص: 176 ] والمسيح ابن مريم وهو روح الله
كادت تقضي عليه اليهود وقضى سيد النبيين والها
دي إلى الحق أحمد المحمود وبنوه وآله الطاهرون الز
هر صلى عليهم المعبود ونجوم السماء منتثرات
بعد حين وللهواء ركود ولنار الدنيا التي توقد الصخ
ر خمود وللمياه جمود وكذا للثرى غداة يؤم الن
اس منها تزلزل وهمود هذه الأمهات نار وترب
وهواء رطب وماء برود سوف يفنى كما فنينا فلا يب
قى من الخلق والد ووليد لا الشقي الغوي من نوب الأي
ام ينجو ولا السعيد الرشيد ومتى سلت المنايا سيوفا
فالموالي حصيدها والعبيد
الملك
المسعود أقسيس بن الكامل ، صاحب
اليمن ، وقد ملك
مكة من سنة تسع عشرة ، فأحسن بها المعدلة ، ونفى
الزيدية منها ، وأمنت الطرقات والحجاج ، ولكنه كان مسرفا على نفسه ، فيه عسف وظلم أيضا . وكانت وفاته
بمكة ، ودفن بباب المعلى .
محمد السبتي النجار
كان يعده بعضهم من الأبدال ، قال
أبو شامة :
[ ص: 177 ] وهو الذي بنى المسجد غربي دار الوكالة عن يسار المار في الشارع ، من ماله ، ودفن بالجبل . وكانت جنازته مشهودة - رحمه الله تعالى - .
العبادي الشاعر ، أبو الحسن علي بن سالم بن يزبك بن محمد بن مقلد ، العبادي الشاعر ، من
الحديثة ، قدم
بغداد مرارا ، وامتدح
المستنصر وغيره ، وكان فاضلا كثير التغزل .
أبو الفتوح نصر بن علي البغدادي ، الفقيه الشافعي ، ويلقب بثعلب ، اشتغل في المذهب والخلاف ، ومن شعره قوله :
جسمي معي غير أن الروح عندكم فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنا لا روح فيه ولي روح بلا بدن
أبو الفضل جبريل بن منصور ، بن هبة الله بن جبريل بن الحسن بن غالب بن يحيى بن موسى بن يحيى بن الحسن بن غالب بن الحسن بن عمرو بن الحسن بن النعمان بن المنذر ، المعروف بابن زطينا البغدادي ، كاتب الديوان بها ، أسلم ، وكان نصرانيا ، فحسن إسلامه ، وكان من أفصح الناس وأبلغهم موعظة ، فمن ذلك قوله : خير أوقاتك ساعة صفت لله ، وخلصت من الفكرة لغيره والرجاء لسواه ، وما دمت في خدمة السلطان ، فلا تغتر بالزمان ، اكفف كفك ، واصرف طرفك ، وأكثر صومك ، وأقلل نومك ،
[ ص: 178 ] واشكر ربك ، يحمد أمرك .
وقال : زاد المسافر مقدم على رحيله ، فأعد الزاد تبلغ المراد .
وقال : إلى متى تتمادى في الغفلة؟ كأنك قد أمنت عواقب المهلة ، عمر اللهو مضى ، وعمر الشبيبة انقضى ، وما حصلت من ربك على ثقة بالرضا ، وقد انتهى بك الأمر إلى سن التخاذل ، وزمن التكاسل ، وما حظيت بطائل .
وقال : روحك تخضع ، وعينك لا تدمع ، وقلبك لا يخشع ، ونفسك لا تشبع ، وتظلم نفسك وأنت لها تتوجع ، وتظهر الزهد في الدنيا وفي المال تطمع ، وتطلب ما ليس لك بحق وما وجب عليك من الحق لا تدفع ، وتروم فضل ربك وللماعون تمنع ، وتعيب نفسك الأمارة وهي عن اللهو لا ترجع ، وتوقظ الغافلين بإنذارك وتتناوم عن سهمك وتهجع ، وتخص غيرك بخيرك ونفسك الفقيرة لا تنفع ، وتحوم على الحق وأنت بالباطل مولع ، وتتعثر في المضايق وطريق النجاة مهيع ، وتتهجم على الذنوب وفي المجرمين تشفع ، وتركن إلى دار السلامة وأنت بالعطب مروع ، وتحرص على زيادة الاكتساب وحسابك في كفل غيرك يوضع ، وتظهر القناعة بالقليل وبالكثير لا تشبع ، وتعمر الدار الفانية ودارك الباقية خراب بلقع ، وتستوطن في منزل رحيل كأنك إلى ربك لا ترجع ، وتظن أنك بلا رقيب وأعمالك إلى المراقب ترفع ، وتقدم على الكبائر وعن الصغائر تتورع ، وتؤمل الغفران وأنت عن الذنوب لا تقلع ، وترى
[ ص: 179 ] الأهوال محيطة بك وأنت في ميدان اللهو ترتع ، وتستقبح أفعال الجهال وباب الجهل تقرع ، وقد آن لك أن تأنف من التعسف ، وعن الدنايا تترفع ، وقد سار المخفون وتخلفت فماذا تتوقع؟
وقد أورد
ابن الساعي له شعرا حسنا فمنه :
إن سهرت عينك في طاعة فذاك خير لك من نوم
أمسك قد فات بعلاته فاستدرك الفائت في اليوم
وله :
إن ربا هداك بعد ضلال سبل الرشد مستحق للعباده
فتعبد له تجد منه عتقا واستدم فضله بطول الزهاده
وله :
إذا تعففت عن حرام عوضت بالطيب الحلال
فاقنع تجد في الحرام حلا فضلا من الله ذي الجلال