وممن توفي بها من المشاهير :
nindex.php?page=showalam&ids=12665أبو القاسم علي بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي
كان شيخا ظريفا لطيفا ، سمع الكثير ، وعمل صناعة الوعظ مدة ، ثم ترك ذلك ، وكان يحفظ شيئا كثيرا من الأخبار والنوادر والأشعار ، ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، وكانت وفاته في هذه السنة وله تسع وسبعون سنة .
[ ص: 203 ] وقد ذكر
السبط وفاة
الوزير صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر
في هذه السنة ، وأثنى عليه وعلى محبته للعلم وأهله ، وأن له مصنفا سماه " البصائر " ، وأنه تغضب عليه
العادل ، ثم ترضاه
الكامل ، وأعاده إلى وزارته وحرمته ، ودفن بمدرسته المشهورة
بمصر ، وذكر أن أصله من قرية يقال لها :
دميرة بمصر .
الملك ناصر الدين محمد ، بن عز الدين مسعود بن نور الدين أرسلان شاه بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي آقسنقر ، صاحب
الموصل . كان مولده في سنة ثلاث عشرة وستمائة ، وقد أقامه
nindex.php?page=showalam&ids=15314بدر الدين لؤلؤ صورة حتى تمكن أمره ، وقويت شوكته ، ثم حجر عليه ، فكان لا يصل إلى أحد من الجواري ولا شيء من السراري ، حتى لا يعقب ، وضيق عليه في الطعام والشراب ، فلما توفي جده لأمه
مظفر الدين كوكبري صاحب
إربل ، منعه حينئذ من الطعام والشراب ثلاثة عشر يوما ، حتى مات كمدا وجوعا وعطشا ، رحمه الله تعالى . وكان من أحسن الناس صورة ، وهو آخر ملوك
الموصل من بيت الأتابكي .
[ ص: 204 ] القاضي شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم
أحد مشايخ الحنفية ، وله مصنفات في الفرائض وغيرها ، وهو ابن خالة
القاضي شمس الدين بن الشيرازي الشافعي . وكلاهما كان ينوب عن
ابن الزكي وابن الحرستاني ، وكان يدرس
بالطرخانية ، وبها مسكنه ، فلما أرسل إليه
المعظم أن يفتي بإباحة نبيذ التمر وماء الرمان امتنع من ذلك ، وقال : أنا على مذهب
محمد بن الحسن في ذلك ، والرواية عن
أبي حنيفة شاذة ، ولا يصح حديث
ابن مسعود في ذلك ، ولا الأثر عن
عمر أيضا . فغضب عليه المعظم وعزله عن التدريس ، وولاه لتلميذه
الزين بن العتال ، وأقام الشيخ بمنزله حتى مات . رحمه الله تعالى .
قال
أبو شامة : وفي هذه السنة توفي جماعة من السلاطين; منهم
المغيث بن المغيث بن العادل ، والعزيز عثمان بن العادل ، ومظفر الدين صاحب
إربل وغيرهم . قلت : أما صاحب
إربل فهو :
الملك المظفر ، أبو سعيد كوكبري بن زين [ ص: 205 ] الدين علي بن بكتكين أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد ، له آثار حسنة ، وقد عمر
الجامع المظفري بسفح قاسيون ، وكان قد هم بسياقة الماء إليه من ماء برزة ، فمنعه
المعظم من ذلك ، واعتل بأنه قد يمر على مقابر المسلمين بالسفوح ، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ، ويحتفل به احتفالا هائلا . وكان مع ذلك شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا - رحمه الله تعالى - .
وقد صنف الشيخ
أبو الخطاب بن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه " التنوير في مولد السراج المنير " فأجازه على ذلك بألف دينار ، وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية ، وقد كان محاصرا مدينة
عكا ، وإلى هذه السنة محمود السيرة والسريرة .
قال
السبط : حكى بعض من حضر سماط
المظفر في بعض الموالد أنه مد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس شوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى . قال : وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء
والصوفية ، فيخلع عليهم ، ويطلق لهم ، ويعمل
للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ، ويرقص بنفسه معهم . وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة ، وكانت صدقاته في جميع القرب والطاعات على
الحرمين وغيرهما ، ويستفك من
الفرنج في كل سنة خلقا من
[ ص: 206 ] الأسارى ، حتى قيل : إن جملة من استفك من أيديهم ستون ألف أسير . قالت زوجته
ربيعة خاتون بنت أيوب - وقد زوجه إياها أخوها
صلاح الدين ، لما كان معه على
عكا - قالت : كان قميصه لا يساوي خمسة دراهم من خام ، فعاتبته بذلك فقال : لبسي ثوبا بخمسة ، وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا ، وأدع الفقير والمسكين .
وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، وعلى دار الضيافة في كل سنة مائة ألف دينار ، وفي ثمن الأسارى في كل سنة مائتي ألف دينار ، وعلى
الحرمين والمياه بدرب
الحجاز ثلاثين ألف دينار ، سوى صدقات السر - رحمه الله تعالى - وكانت وفاته بقلعة
إربل ، وأوصى أن يحمل إلى
مكة ، فلم يتفق ، فدفن بمشهد علي .
والملك العزيز بن عثمان بن العادل ، وهو شقيق المعظم ، كان صاحب
بانياس وتلك الحصون التي هنالك ، وهو الذي بنى الصبيبة ، وكان عاقلا قليل الكلام ، مطيعا لأخيه
المعظم ، ودفن عنده . وكانت وفاته يوم الاثنين عاشر رمضان ببستانه الناعمة من بيت لهيا ، سامحه الله تعالى .
ابن عنين الشاعر ، أبو المحاسن محمد بن نصر الله بن مكارم بن الحسن [ ص: 207 ] بن علي بن محمد بن غالب الأنصاري ، المعروف بابن عنين . قال
ابن الساعي : أصله من
الكوفة ، وولد
بدمشق ونشأ بها ، وسافر عنها سنين ، فجاب الأقطار والبلاد شرقا وغربا ، ودخل
الجزيرة وبلاد
الروم والعراق وخراسان وما وراء النهر والهند واليمن والحجاز ومصر وبغداد ، ومدح أكثر أهل هذه البلاد وحصل أموالا جزيلة . وكان ظريفا شاعرا مطبقا مشهورا ، حسن الأخلاق ، جميل المعاشرة ، وقد رجع إلى بلده
دمشق ، فكان بها حتى مات هذه السنة ، في قول
ابن الساعي . وأما
السبط وغيره فإنهم أرخوا وفاته في سنة ثلاث وثلاثين . وقد قيل : إنه مات في سنة إحدى وثلاثين - فالله أعلم - . والمشهور أن أصله من
حوران من مدينة زرع ، وكانت إقامته
بدمشق في
الجزيرة قبلي الجامع . وكان هجاء له قدرة على ذلك ، وصنف كتابا سماه : " مقراض الأعراض " يشتمل على نحو من خمسمائة بيت ، قل من سلم من الدماشقة من شره ، ولا الملك
صلاح الدين ولا أخوه
العادل ، وقد كان يزن بترك الصلوات المكتوبة . فالله أعلم .
وقد نفاه
الملك الناصر صلاح الدين إلى
الهند ، فامتدح ملوكها ، وحصل أموالا جزيلة ، وصار إلى
اليمن ، فيقال : إنه وزر لبعض ملوكها ، ثم عاد في أيام العادل إلى
دمشق ، ولما ملك
المعظم استوزره ، فأساء السيرة ، واستقال هو من تلقاء نفسه فعزله ، وكان قد كتب إلى الدماشقة من بلاد
الهند :
[ ص: 208 ] فعلام أبعدتم أخا ثقة لم يجترم ذنبا ولا سرقا انفوا المؤذن من بلادكم
إن كان ينفى كل من صدقا
ومما هجا به الملك
الناصر صلاح الدين ، رحمه الله تعالى :
سلطاننا أعرج وكاتبه ذو عمش والوزير منحدب
والدولعي الخطيب معتكف وهو على قشر بيضة يثب
ولابن باقا وعظ يغر به الن اس وعبد اللطيف محتسب
وصاحب الأمر خلقه شرس وعارض الجيش داؤه عجب
وقال في
السلطان الملك العادل سيف الدين - رحمه الله تعالى :
إن سلطاننا الذي نرتجيه واسع المال ضيق الإنفاق
هو سيف كما يقال ولكن قاطع للرسوم والأرزاق
وقد حضر مرة مجلس
الفخر الرازي بخراسان وهو على المنبر يعظ الناس ، فجاءت حمامة خلفها جارح ، فألقت نفسها على
الفخر الرازي كالمستجيرة به ، فأنشأ
ابن عنين يقول :
جاءت سليمان الزمان حمامة والموت يلمع من جناحي خاطف
[ ص: 209 ] قرم لواه الجوع حتى ظله بإزائه يجري بقلب واجف
من أعلم الورقاء أن محلكم حرم وأنك ملجأ للخائف
الشيخ شهاب الدين السهروردي
صاحب " عوارف المعارف " ،
عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمويه ، واسمه
عبد الله البكري البغدادي ، شهاب الدين أبو حفص السهروردي ، شيخ
الصوفية ببغداد ، وكان من كبار الصالحين وسادات المسلمين ، وتردد في الرسلية بين الخلفاء والملوك مرارا ، وحصلت له أموال جزيلة ، ففرقها بين الفقراء والمحتاجين ، وقد حج مرة وفي صحبته خلق من الفقراء لا يعلمهم إلا الله - عز وجل - ، وكانت فيه مروءة وإغاثة للملهوفين وإعانة للمحتاجين ، وأمر بالمعروف ونهي عن منكر ، وكان يعظ الناس وعليه ثياب البذلة ، قال مرة هذا البيت :
ما في الصحاب أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا صب نجازيه
وجعل يكرره ويتواجد فقام شاب - عليه قباء وكلوتة - من
[ ص: 210 ] الحاضرين فقال : يا شيخ كم تشطح وتنتقص بالقوم ، والله إن فيهم من لا يرضى أن يجاريك ، ولا يصل فهمك إلى ما يقول! هلا أنشدت :
ما في الصحاب وقد صارت حمولهم إلا محب له في الركب محبوب
كأنما يوسف في كل راحلة والحي في كل بيت منه يعقوب
فصاح الشيخ ، ونزل عن المنبر ، وقصد الشاب ليعتذر إليه فلم يجده ، ووجد مكانه حفرة فيها دم كثير من كثرة ما كان يفحص برجليه عند إنشاد الشيخ البيت .
وقد ذكر
ابن خلكان أشياء كثيرة من أناشيده ، وأثنى عليه خيرا ، وأنه توفي في هذه السنة وله ثلاث وتسعون سنة - رحمه الله تعالى - .
ابن الأثير مصنف " الغابة " و " الكامل "
هو الإمام العلامة
عز الدين أبو الحسن علي بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الموصلي ، المعروف
بابن الأثير ، مصنف كتاب " الغابة في أسماء الصحابة " ، وكتاب " الكامل في التاريخ " وهو من أحسنها حوادث ، ابتدأه من المبتدأ إلى سنة ثمان وعشرين وستمائة ، وقد كان يتردد إلى
بغداد ، وكان خصيصا عند ملوك
الموصل ، ووزر لبعضهم كما تقدم بيانه ، وأقام بها في
[ ص: 211 ] آخر عمره موقرا معظما إلى أن توفي بها في شعبان من هذه السنة عن خمس وسبعين سنة - رحمه الله - . وأما أخوه
nindex.php?page=showalam&ids=12569مجد الدين أبو السعادات المبارك فهو مصنف كتاب " جامع الأصول " وغيره ، وأخوهما الوزير
ضياء الدين أبو الفتح نصر الله كان وزيرا للملك
الأفضل علي بن الناصر فاتح
بيت المقدس صاحب
دمشق كما تقدم .
وجزيرة ابن عمر قيل : إنها منسوبة إلى رجل يقال له :
عبد العزيز بن عمر من
أهل برقعيد ، وقيل : بل هي منسوبة إلى ابني
عمر ، وهما
أوس وكامل ابنا
عمر بن أوس الثعلبي ، فالله أعلم . حرر ذلك القاضي
ابن خلكان - رحمه الله - .
ابن المستوفي الإربلي ، مبارك بن أحمد بن مبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب ، العلامة شرف الدين أبو البركات اللخمي الإربلي ، كان إماما في علوم كثيرة; كالحديث وأسماء الرجال والأدب والحساب ، وله مصنفات كثيرة وفضائل غزيرة ، وقد بسط ترجمته القاضي
شمس الدين بن خلكان في الوفيات ، فأجاد وأفاد - رحمهم الله - .