وممن توفي فيها من الأعيان :
الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب
كان
الصالح إسماعيل قد أسره وسجنه في برج قلعة
دمشق ، حين أخذها في غيبة
الصالح أيوب ، فاجتهد أبوه بكل ممكن في خلاصه فلم يقدر ، وعارضه فيه
أمين الدولة غزال المسلماني ، واقف المدرسة الأمينية
ببعلبك ، فلم يزل الشاب محبوسا في القلعة
[ ص: 275 ] من سنة ثمان وثلاثين إلى ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة ، فأصبح ميتا في محبسه غما وحزنا ، ويقال : إنه قتل ، فالله أعلم .
وكان من خيار أبناء الملوك ، وأحسنهم شكلا ، وأكملهم عقلا ، ودفن عند جده
الكامل في تربته شمالي الجامع ، فاشتد حنق أبيه
الصالح أيوب على صاحب
دمشق .
شيخ الشيوخ بدمشق تاج الدين أبو عبد الله بن عمر بن محمد بن حمويه أحد الفضلاء المؤرخين المصنفين ، له كتاب في ثماني مجلدات ، ذكر فيه أصول الأشياء ، وله السياسة الملوكية صنفها
للكامل محمد ، وغير ذلك ، وسمع الحديث وحفظ القرآن ، وكان قد بلغ الثمانين ، وقيل : إنه لم يبلغها ، وقد سافر إلى بلاد المغرب في سنة ثلاث وتسعين ، واتصل
بمراكش عند ملكها
المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ، فأقام هناك إلى سنة ستمائة ، فقدم إلى بلاد
مصر ، وولي مشيخة الشيوخ بعد أخيه
صدر الدين بن حمويه - رحمه الله تعالى - .
الوزير نصير الدين أبو الأزهر ، أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن [ ص: 276 ] الناقد البغدادي ، وزير
المستنصر ، ثم ابنه
المستعصم ، كان من أبناء التجار ، ثم توصل إلى أن وزر لهذين الخليفتين ، وكان فاضلا بارعا حافظا للقرآن ، كثير التلاوة ، نشأ في حشمة باذخة ، ثم كان في وجاهة هائلة ، وقد أقعد في آخر أمره ، وهو مع هذا في غاية الاحترام والإكرام ، وله أشعار حسنة ، أورد منها
ابن الساعي قطعة صالحة ، توفي في هذه السنة وقد جاوز الخمسين .
نقيب النقباء وخطيب الخطباء وكيل الخلفاء ، أبو طالب الحسين بن أحمد بن علي بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن علي بن الخليفة المهتدي بالله العباسي . كان من سادات العباسيين ، وأئمة المسلمين ، وخطباء المؤمنين ، استمرت أحواله على السداد والصلاح ، ولم ينقطع قط عن الخطابة ، ولم يمرض قط حتى كانت ليلة السبت الثاني والعشرين من رجب من هذه السنة; قام في أثناء الليل لبعض حاجاته ، فسقط على أم رأسه ، فسقط من فمه دم كثير ، وسكت فلم ينطق كلمة واحدة يومه ذلك إلى الليل ، فمات رحمه الله تعالى ، وكانت له جنازة حافلة .