[ ص: 288 ] ثم
دخلت سنة أربع وأربعين وستمائة
فيها كسر المنصور الخوارزمية عند بحيرة حمص ، واستقرت يد نواب
الصالح أيوب على
دمشق وبعلبك وبصرى ، ثم في جمادى الآخرة كسر
فخر الدين بن الشيخ الخوارزمية على
الصلت كسرة ، فرق بقية شملهم ، ثم حاصر
الناصر بالكرك ، ورجع عنه إلى
دمشق .
وقدم
الصالح أيوب إلى
دمشق في ذي القعدة ، فأحسن إلى أهلها ، وتسلم هذه المدن ، وانتزع
صرخد من يد
عز الدين أيبك ، وعوضه عنها ، وأخذ
الصلت من
الناصر داود بن المعظم ، وأخذ
حصن الصبيبة من
السعيد بن العزيز بن العادل ، وعظم شأنه جدا ، وزار في رجوعه
بيت المقدس ، وتفقد أحواله ، وأمر بإعادة أسواره أن تعمر كما كانت في الدولة الناصرية ، فاتح
القدس ، وأن يصرف الخراج وما يتحصل من غلات
بيت المقدس في ذلك ، وإن عاز شيئا صرفه من عنده .
وفيها قدمت الرسل من عند البابا الذي للنصارى تخبر بأنه قد أباح دم
الأنبرور ملك
الفرنج; لتهاونه في قتال المسلمين ، وأرسل طائفة من عنده ليقتلوه ، فلما انتهوا إليه كان استعد لهم ، وأجلس مملوكا له على السرير ، فاعتقدوه
[ ص: 289 ] الملك فقتلوه ، فعند ذلك أخذهم
الأنبرور فصلبهم على باب قصره بعد ما ذبحهم وسلخهم وحشا جلودهم تبنا ، فلما بلغ ذلك البابا أرسل إليه جيشا كثيفا لقتاله ، فأوقع الله تعالى بينهم الخلاف بسبب ذلك ، ولله الحمد والمنة . وبه التوفيق والعصمة .
وفيها هبت ريح عاصفة شديدة
بمكة يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر ، فألقت ستارة
الكعبة المشرفة ، وكانت قد عتقت فإنها من سنة أربعين لم تجدد; لعدم الحج في تلك السنين من ناحية الخليفة ، فما سكنت الريح إلا
والكعبة عريانة وقد زال عنها شعار السواد ، وكان هذا فألا على زوال دولة
بني العباس ، ومنذرا بما سيقع بعد هذا من كائنة
التتار ، لعنهم الله تعالى . فاستأذن نائب
اليمن عمر بن رسول شيخ الحرم العفيف منصور بن منعة في أن يكسو
الكعبة ، فقال : لا يكون هذا إلا من مال الخليفة . ولم يكن عنده مال فاقترض ثلاثمائة دينار ، واشترى ثياب قطن ، وصبغها سوادا ، وركب عليها طرازاتها العتيقة ، وكسا بها
الكعبة ، ومكثت
الكعبة ليس عليها كسوة إحدى وعشرين ليلة .
وفيها فتحت دار الكتب التي أنشأها الوزير
مؤيد الدين محمد بن أحمد العلقمي بدار الوزارة . وجاءت في نهاية الحسن ، ووضع فيها من الكتب النفيسة النافعة شيء كثير ، وامتدحها الشعراء بأبيات وقصائد حسان
وفي أواخر ذي الحجة طهر الخليفة
المستعصم بالله ولديه الأميرين
أبا العباس أحمد وأبا الفضائل عبد الرحمن ، وعملت ولائم ومآكل وأفراح ومسرة لا يسمع بمثلها
[ ص: 290 ] من أزمان متطاولة ، وكان ذلك وداعا لمسرات
بغداد وأهلها في ذلك الزمان .
وفيها احتاط
الناصر داود صاحب
الكرك على الأمير
عماد الدين داود بن موسك ، وكان من خيار الأمراء والأجواد والأمجاد ، واصطفى أمواله كلها ، وسجنه عنده في
الكرك ، فشفع فيه
فخر الدين بن الشيخ لما كان محاصره في
الكرك فأطلقه ، فخرجت في حلقه خراجة ، فبطها فمات ، ودفن عند قبر
جعفر والشهداء
بمؤتة - رحمه الله تعالى - .
وفيها توفي :
ملك
الخوارزمية قبلا
بركات خان لما كسرت أصحابه عند بحيرة
حمص ، كما تقدم ذكره .
وفيها توفي :
الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه
صاحب
حمص بدمشق بعد أن سلم
بعلبك للصالح أيوب ، ونقل إلى
حمص ، وكان نزوله أولا
ببستان سامة ، فلما مرض حمل إلى الدهشة
بستان الأشرف بالنيرب ، فمات فيه .
وفيها توفي
الصائن محمد بن حسان بن رافع العامري الخطيب
وكان كثير السماع مسندا ، وكانت وفاته بقصر حجاج رحمه الله تعالى .
[ ص: 291 ] وفيها توفي
الفقيه العلامة محمد بن محمود بن عبد المنعم المراتبي الحنبلي
وكان فاضلا ذا فنون ، أثنى عليه
أبو شامة ، وقال : صحبته قديما ، ولم يترك بعده
بدمشق مثله في الحنابلة . وصلي عليه بجامع
دمشق ، ودفن
بسفح قاسيون ، رحمه الله .
والضياء عبد الرحمن العمادي المالكي
الذي ولي وظائف الشيخ
أبي عمرو بن الحاجب حين خرج من
دمشق سنة ثمان وثلاثين ، وجلس في حلقته ، ودرس مكانه بزاوية المالكية .
والفقيه
تاج الدين إسماعيل بن جهبل بحلب ، وكان فاضلا دينا ، سليم الصدر ، رحمه الله .