[ ص: 297 ] ثم
دخلت سنة ست وأربعين وستمائة
فيها قدم السلطان الصالح نجم الدين أيوب من الديار المصرية إلى دمشق ، وجهز الجيوش والمجانيق إلى
حمص ; لأنه كان صاحبها الملك
الأشرف موسى بن المنصور بن أسد الدين شيركوه قد قايض بها
تل باشر لصاحب
حلب الناصر يوسف بن العزيز ، ولما علمت الحلبيون بخروج الدماشقة برزوا أيضا في جحفل عظيم ليمنعوا
حمص منهم ، واتفق مجيء
الشيخ نجم الدين البادرائي مدرس النظامية
ببغداد في رسالة ، فأصلح بين الفريقين ، ورد كلا من الفئتين إلى مستقرها ، ولله الحمد .
وفيها قتل مملوك تركي شاب صبي سيده على دفعه عنه لما أراد به من الفاحشة ، فصلب الغلام مسمرا ، وكان شابا حسنا جدا ، فتأسف الناس له لكونه صغيرا ومظلوما وحسنا ، ونظموا فيه قصائد; وممن نظم فيه
الشيخ شهاب الدين أبو شامة في " الذيل " ، وقد أطال قصته جدا .
وفيها سقطت قنطرة رومية قديمة البناء بسوق الدقيق من
دمشق ، عند قصر أم حكيم ، فتهدم بسببها شيء كثير من الدور والدكاكين ، وكان سقوطها نهارا .
وفي ليلة الأحد الخامس والعشرين من رجب وقع حريق بالمنارة الشرقية ،
[ ص: 298 ] فأحرق جميع حشوها ، وكانت سلالمها سقالات من خشب ، وهلك للناس ودائع كثيرة كانت فيها ، وسلم الله الجامع ، ولله الحمد . وقدم السلطان بعد أيام إلى
دمشق ، فأمر بإعادتها كما كانت .
قلت : ثم احترقت وسقطت بالكلية بعد سنة أربعين وسبعمائة ، وأعيدت عمارتها أحسن مما كانت ، ولله الحمد ، وبقيت حينئذ المنارة البيضاء الشرقية
بدمشق كما نطق به الحديث في نزول
عيسى عليه السلام ، عليها ، كما سيأتي بيانه وتقريره في موضعه إن شاء الله تعالى .
ثم عاد السلطان
الصالح أيوب مريضا في محفة إلى
الديار المصرية وهو ثقيل مدنف ، وما شغله مرضه وما هو فيه عن أمره بقتل أخيه
العادل أبي بكر بن الكامل الذي كان صاحب
الديار المصرية بعد أبيه ، وقد كان سجنه سنة استحوذ على
مصر ، فلما كان في هذه السنة في شوالها أمر بخنقه ، فخنق ودفن بتربة
شمس الدولة ، فما عمر بعده إلا إلى النصف من شعبان في العام القابل في أسوأ حال وأشد مرض ، فسبحان من له الخلق والأمر .
وفيها كانت وفاة قاضي القضاة بالديار المصرية أفضل الدين الخونجي
الحكيم المنطقي البارع في ذلك ، وكان مع ذلك جيد السيرة في أحكامه . قال
أبو شامة : أثنى عليه غير واحد .