[ ص: 397 ] صفة
أخذهم لدمشق
وزوال ملكهم عنها سريعا
أرسل
هولاكو وهو نازل على
حلب جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له :
كتبغانوين . فوردوا
دمشق في آخر صفر ، فأخذوها سريعا من غير ممانعة ولا مدافعة ، بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة ، وقد كتب معهم السلطان
هولاكو فرمان أمان لأهل البلد ، فقرئ بالميدان الأخضر ، ونودي به في البلد ، فأمن الناس على وجل أن يغدروا كما فعل بأهل
حلب ، هذا والقلعة ممتنعة مستورة ، وفي أعاليها المجانيق منصوبة ، والحال شديدة ، فأحضرت
التتار مجانيق تحمل على عجل والخيول تجرها ، وهم راكبون على الخيل ، وأسلحتهم تحمل على أبقار كثيرة ، فنصب المجانيق على القلعة من غربيها وهدموا حيطانا كثيرة وأخذوا حجارتها ورموا بها القلعة رميا متواترا كالمطر المتدارك ، فهدموا كثيرا من أعاليها وشرفاتها ، وتداعت للسقوط ، فأجابهم متوليها في آخر ذلك النهار للمصالحة ، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها ، وأعالي بروجها ، وذلك في المنتصف من جمادى الأولى من هذه السنة ، وقتلوا المتولي بها
بدر الدين بن قراجا ، ونقيبها
جمال الدين بن الصيرفي الحلبي ، وسلموها إلى أمير منهم يقال له :
إيل سبان .
وكان لعنه الله تعالى معظما لدين
النصارى ، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم ، فعظمهم جدا وزار كنائسهم ، فصارت لهم دولة وحولة وصولة
[ ص: 398 ] بسببه ، لعنهم الله تعالى ، وذهبت طائفة من
النصارى إلى
هولاكو بهدايا وتحف ، وقدموا من عنده ومعهم أمان; فرمان من جهته ، ودخلوا البلد من
باب توماء ومعهم صليب منصوب يحملونه على رءوس الناس ، وهم ينادون بشعارهم ، ويقولون ظهر الدين الصحيح ، دين المسيح .
ويذمون دين الإسلام وأهله ومعهم أوان فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرا ، وقماقم ملآنة خمرا يرشون منها على وجوه الناس ، ويأمرون كل من يجتازون به في الأسواق والطرقات أن يقوم لصليبهم ، ودخلوا من درب الحجر ، فوقفوا عند رباط
الشيخ أبي البيان ، ورشوا هنالك خمرا ، وكذلك على باب مسجد
درب الحجر الصغير والكبير ، واجتازوا في السوق حتى وصلوا إلى
درب الريحان أو قريب منه ، فتكاثر عليهم المسلمون ، فردوهم إلى سوق كنيسة
مريم ، فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق هنالك ، فذكر في خطبته مدح دين
النصارى ، وذم دين الإسلام وأهله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ثم ولجوا بعد ذلك إلى كنيسة
مريم ، وكانت بعد عامرة ، ولكن كان هذا سبب خرابها ، ولله الحمد .
وحكى
الشيخ قطب الدين في " الذيل على المرآة " أنهم ضربوا بالناقوس بكنيسة
مريم . فالله أعلم .
قال : وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر ، وكان من نيتهم إن طالت مدة
التتار أن يخربوا كثيرا من المساجد وغيرها ، فكفى الله شرهم . ولما وقع هذا في
[ ص: 399 ] البلد اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء ، فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها
إيل سبان ، فأهينوا وطردوا ، وقدم كلام رؤساء
النصارى عليهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وقد كان في أول هذه السنة سلطان
الشام الناصر بن العزيز ، قد أقام في وطأة برزة ، ومعه خلق كثير من الجيوش والأمراء وأبناء الملوك ليناجزوا
التتار إن قدموا عليهم ، وكان ممن معه الأمير
بيبرس البندقداري في جماعة من البحرية ، والكلمة بين الجيوش مختلفة غير مؤتلفة ، لما يريده الله عز وجل .
وقد عزمت طائفة من الأمراء على خلع الملك الناصر وسجنه ومبايعة أخيه شقيقه الملك
الظاهر علي ، فلما تنسم
الناصر ذلك هرب إلى القلعة المنصورة وتفرقت العساكر شذر مذر ، وساق الأمير
ركن الدين بيبرس البندقداري في أصحابه إلى ناحية
غزة ، فاستدعاه
الملك المظفر قطز إليه ، واستقدمه عليه ، وأقطعه
قليوب ، وأنزله بدار الوزارة ، وعظم شأنه لديه ، وإنما كان حتفه على يديه .