وفيها كانت وفاة
الملك الأشرف موسى بن الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه الكبير
كانوا ملوك
حمص كابرا عن كابر إلى هذا الحين ، وقد كان من الكرماء الموصوفين ، والكبراء الدماشقة المترفين ، ويعتني بالمآكل والمشارب ، والملابس والمراكب ، وقضاء الشهوات والمآرب ، وكثرة التنعم بالمغاني والحبائب ، ولما توفي وجدت له
[ ص: 455 ] حواصل من الجواهر النفيسة والأموال الكثيرة ، وعاد ملكه إلى الدولة الظاهرية .
وتوفي معه في هذه السنة الأمير
حسام الدين الجوكندار نائب
حلب .
وفيها كانت
كسرة التتار على حمص ، وقتل مقدمهم
بيدرة بقضاء الله وقدره الحسن الجميل .
وفيها كانت وفاة
الرشيد العطار المحدث
بمصر ، والذي حضر مسخرة
الملك الأشرف موسى بن العادل .
والتاجر المشهور
الحاج نصر بن تروس ، وكان ملازما للصلوات بالجامع ، وكان من ذوي اليسار والخير .
الخطيب عماد الدين بن الحرستاني : عبد الكريم بن قاضي القضاة جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني
كان خطيبا
بدمشق ، وناب في الحكم عن أبيه في الدولة الأشرفية بعد
ابن الصلاح إلى أن توفي في دار الخطابة في التاسع والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة ، وصلي عليه بجامع
دمشق ، ودفن عند أبيه
بقاسيون ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله تعالى ، وقد جاوز الثمانين بخمس سنين ، وقد تولى بعده الخطابة والغزالية ولده
مجير [ ص: 456 ] الدين ، وباشر مشيخة دار الحديث الشيخ
شهاب الدين أبو شامة .
محيي الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة الحافظ المحدث الأنصاري الشاطبي ، أبو بكر المغربي
عالم فاضل دين ، وأقام
بحلب مدة ، ثم اجتاز
بدمشق قاصدا الديار المصرية . وقد ولي دار الحديث الكاملية بعد
nindex.php?page=showalam&ids=16383زكي الدين عبد العظيم المنذري ، وقد كان له سماع جيد
ببغداد وغيرها من البلاد ، وقد جاوز السبعين .
الشيخ
الصالح محمد بن منصور بن يحيى بن الشيخ أبي القاسم القباري الإسكندراني
، كان مقيما بغيط له يقتات منه ويعمل فيه ويبدره ، ويتورع جدا ، ويطعم الناس من ثماره ، وكانت وفاته في سادس شعبان من هذه السنة بالإسكندرية ، وله خمس وسبعون سنة ، وكان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويردع الولاة عن الظلم فيسمعون منه ويطيعونه ، وإذا جاء الناس إلى زيارته إنما يكلمهم من طاقة المنزل ، وهم راضون منه بذلك .
ومن غريب ما حكي عنه أنه باع دابة له من رجل ، فلما كان بعد أيام جاءه الرجل فقال : يا سيدي إن الدابة لا تأكل عندي شيئا . فنظر إليه الشيخ فقال له : ما تعاني من الصنائع؟ فقال : إن
[ ص: 457 ] دابتنا لا تأكل الحرام . ودخل منزله فأعطاه دراهمه ومعها دراهم كثيرة قد اختلطت بها فلا تميز ، فاشترى الناس من الرقاص كل درهم بثلاثة لأجل البركة ، وأخذ دابته ، ولما توفي ترك من الأثاث ما يساوي خمسين درهما ، فأبيع بمبلغ عشرين ألفا .
قال
أبو شامة : وفي الثامن والعشرين من ربيع الآخر توفي
محيي الدين عبد الله بن صفي الدين إبراهيم بن مرزوق بداره
بدمشق المجاورة للمدرسة النورية ، رحمه الله تعالى .
قلت : داره هذه هي التي جعلت مدرسة للشافعية ، وقفها الأمير
جمال الدين آقوش النجيبي ، التي يقال لها : النجيبية . تقبل الله منه ، وبها إقامتنا ، جعلها الله دارا تعقبها دار القرار في الفوز العظيم .
وقد كان أبوه
صفي الدين وزيرا مدة للملك الأشرف ، وملك من الذهب ستمائة ألف دينار خارجا عن الأملاك والأثاث والبضائع ، وكانت وفاة أبيه
بمصر سنة تسع وخمسين ، ودفن بتربته عند جبل
المقطم . رحمه الله تعالى .
قال
أبو شامة : وجاء الخبر من
مصر بوفاة
الفخر عثمان المصري المعروف بعين عين .
[ ص: 458 ] قال : وفي ثامن عشر ذي الحجة توفي
الشمس الوتار الموصلي ، وكان قد حصل شيئا من علم الأدب ، وخطب بجامع المزة مدة . فأنشدني لنفسه في الشيب وخضابه :
وكنت وإياها مذ اختط عارضي كروحين في جسم وما نقضت عهدا فلما أتاني الشيب يقطع بيننا
توهمته سيفا فألبسته غمدا
وفيها استحضر الملك
هولاكوقان ملك التتار
الزين الحافظي ، وهو سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني المعروف بالزين الحافظي ، وقال له : قد ثبت عندي خيانتك . وقد كان هذا المغتر لما قدم التتار مع
هولاكو دمشق وغيرها مالأ على المسلمين وآذاهم ، ودل على عوراتهم ، حتى سلطهم الله عليه بأنواع العقوبات والمثلات
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا [ الأنعام : 129 ] .
وفي الجملة
من أعان ظالما سلط عليه ، فإن الله ينتقم من الظالم بالظالم ، ثم ينتقم من الظالمين جميعا ، نسأل الله العافية من انتقامه وغضبه وعقابه وشر عباده .