وممن توفي فيها من الأعيان :
السلطان بركة خان بن تولي بن جنكز خان بن خاقان
وهو ابن عم
هولاكو ، ، وقد أسلم
بركة خان هذا ، وكان يحب العلماء والصالحين ، ومن أكبر حسناته كسره
لهولاكو وتفريقه جنوده ، وكان يناصح
الملك الظاهر ويعظمه ويكرم رسله إليه ، ويطلق لهم شيئا كثيرا ، وقد قام في الملك بعده بعض أهل بيته ، وهو
منكوتمر بن طغان بن باتو بن تولي بن جنكز خان ، وكان على طريقته ومنواله ، ولله الحمد .
قاضي القضاة بالديار المصرية
تاج الدين عبد الوهاب بن خلف بن بدر ابن بنت الأعز الشافعي
كان دينا عفيفا نزها ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يقبل شفاعة أحد وجمع له قضاء الديار المصرية بكمالها ، والخطابة والحسبة ،
[ ص: 472 ] ومشيخة الشيوخ ونظر الأحباس ، وتدريس قبة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والصالحية وإمامة الجامع ، وكان بيده خمس عشرة وظيفة ، وباشر الوزارة في بعض الأوقات ، وكان السلطان يعظمه ، والوزير
ابن الحنا يخاف منه كثيرا ، وكان يحب أن ينكبه عند السلطان ويضعه فلا يستطيع ذلك ، وكان يشتهي أن يأتي داره ولو عائدا ، فمرض في بعض الأحيان ، فجاءه القاضي عائدا ، فقام لتلقيه إلى وسط الدار فقال له القاضي : إنما جئنا لعيادتك ، فإذا أنت سوي صحيح ، سلام عليكم . فرجع ولم يجلس عنده . وكان مولده في سنة أربع وستمائة ، وتولى بعده القضاء
تقي الدين بن رزين .
واقف القيمرية الأمير الكبير
ناصر الدين أبو المعالي الحسين بن عزيز بن أبي الفوارس القيمري الكردي
كان من أعظم الأمراء مكانة عند الملوك ، وهو الذي سلم
الشام إلى
الملك الناصر صاحب
حلب حين قتل
توران شاه بن الصالح أيوب بمصر ، وهو واقف المدرسة القيمرية عند مئذنة فيروز ، وعمل على بابها الساعات التي لم يسبق إلى مثلها ، ولا عمل على شكلها ، يقال : إنه غرم عليها أربعين ألف درهم .
الشيخ
شهاب الدين أبو شامة : عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن [ ص: 473 ] عثمان بن أبي بكر بن عباس ، أبو محمد وأبو القاسم المقدسي ، الشيخ الإمام العلامة الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ المعروف بأبي شامة
شيخ دار الحديث الأشرفية ومدرس الركنية ، وصاحب المصنفات العديدة المفيدة ، له " اختصار تاريخ
دمشق " في مجلدات كثيرة ، وله " شرح الشاطبية " ، وله " الرد إلى الأمر الأول " ، وله في البعث وفي الإسراء ، وكتاب " الروضتين في الدولتين النورية والصلاحية " ، وله " الذيل " على ذلك ، وله غير ذلك من الفوائد الحسان والفرائد التي كالعقيان . ولد ليلة الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، وذكر لنفسه ترجمة في هذه السنة في " الذيل " ، وذكر مرباه ومنشأه وطلبه العلم وسماعه الحديث ، وتفقهه على
الفخر بن عساكر ، وابن عبد السلام ، والسيف الآمدي ، والشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين بن قدامة ، وما رئي له من المنامات الحسنة . وكان ذا فنون كثيرة ، أخبرني
علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ
تاج الدين الفزاري ، أنه كان يقول : بلغ الشيخ
شهاب الدين أبو شامة رتبة الاجتهاد ، وقد كان ينظم أشعارا في أوقات ، منها ما هو مستحلى ، ومنها ما لا يستحلى . فالله يغفر لنا وله .
وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في نفسه وديانته ، وعفته وأمانته ، وكانت وفاته بسبب جماعة ألبوا عليه ، فأرسلوا إليه من اغتاله ، وهو بمنزل له
بطواحين الأشنان ، وقد كان اتهم بأمر الظاهر براءته منه ، وقد قال جماعة من أهل
[ ص: 474 ] الحديث وغيرهم : إنه كان مظلوما . ولم يزل يكتب في " التاريخ " حتى وصل إلى رجب من هذه السنة ، فذكر أنه أصيب بمحنة في منزله
بطواحين الأشنان ، وكان الذين قتلوه جاءوه قبل ، فضربوه ليموت ، فلم يمت فقيل له : ألا تشتكي عليهم . فلم يفعل ، وأنشأ يقول :
قلت لمن قال ألا تشتكي ما قد جرى فهو عظيم جليل يقيض الله تعالى لنا
من يأخذ الحق ويشفي الغليل إذا توكلنا عليه كفى
فحسبنا الله ونعم الوكيل
وكأنهم عادوا إليه مرة ثانية ، وهو في المنزل المذكور ، فقتلوه بالكلية في ليلة الثلاثاء تاسع عشر من رمضان ، رحمه الله . ودفن من يومه بمقابر دار الفراديس ، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الأشرفية الشيخ محيي الدين النووي .
وفي هذه السنة كان
مولد الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي ، وقد ذيل على تاريخ الشيخ
أبي شامة; لأن مولده في سنة وفاته ، فحذا حذوه وسلك نحوه ، ورتب ترتيبه وهذب تهذيبه ، وهذا ممن يقال فيه وفي أمثاله في تراجمهم :
ما زلت تكتب في التاريخ مجتهدا حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا
ويناسب أن ينشد هنا قول الشاعر :
إذا سيد منا خلا قام سيد قئول لما قال الكرام فعول