يا صاحبي قفا لي وانظرا عجبا أتى به الدهر فينا من عجائبه البدر أصبح فوق الشمس منزلة
وما العلو عليها من مراتبه أضحى يماثلها حسنا وصار لها
كفوا وسار إليها في مواكبه فأشكل الفرق لولا وشي نمنمة
بصدغه واخضرار فوق شاربه
دع النجوم لطرقي يعيش بها وبالعزيمة فانهض أيها الملك
إن النبي وأصحاب النبي نهوا عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا
يقول لي الكحال عينك قد هدت فلا تشغلن قلبا عليها وطب نفسا
ولي مدة يا شمس لم أركم بها وآية برء العين أن تبصر الشمسا
كل حي إلى الممات مآبه ومدى عمره سريع ذهابه
ثم من قبره سيحشر فردا واقفا وحده يوفى حسابه
معه سائق له وشهيد وعلى الحرص ويحه إكبابه
يخرب الدار وهي دار بقاء ثم يبني ما عما قريب خرابه
عجبا وهو في التراب غريق كيف يلهيه طيبه وعلابه
كل يوم يزيد نقصا وإن عم ر حلت أوصاله أوصابه
والورى في مراحل الدهر ركب دائم السير لا يرجى إيابه
فتزود إن التقى خير زاد ونصيب اللبيب منه لبابه
وأخو العقل من يقضي بصدق شيبه في صلاحه وشبابه
وأخو الجهل يستلذ هوى النف س فيغدو شهدا لديه مصابه
لقد عادني من لاعج الشوق عائد فهل عهد ذات الخال بالسفح عائد
وهل نارها بالأجرع الفرد تعتلي لمنفرد شاب الدجى وهو شاهد
نديمي من سعدى أديرا حديثها فذكرى هواها والمدامة واحد
منعمة الأطراف رقت محاسنا كما جل في حبي لها ما أكابد
فللبدر ما لاثت عليه خمارها وللشمس ما جالت عليه القلائد
أيها المعتاض بالنوم السهر ذاهلا يسبح في بحر الفكر
سلم الأمر إلى مالكه واصطبر فالصبر عقباه الظفر
لا تكونن آيسا من فرج إنما الأيام تأتي بالغير
كدر يحدث في وقت الصفا وصفا يحدث في وقت الكدر
وإذا ما ساء دهر مرة سر أهليه ومهما ساء سر
فارض عن ربك في أقداره إنما أنت أسير للقدر
وفى لي من أهواه جهرا لموعدي وأرغم عذالي عليه وحسدي
وزار على شحط المزار مطولا على مغرم بالوصل لم يتعود
فيا حسن ما أبدى لعيني جماله ويا برد ما أهدى إلى قلبي الصدي
ويا صدق أحلامي ببشرى وصاله ويا نيل آمالي ويا نجح مقصدي
[ ص: 552 ] تجلى وجودي إذ تجلى لباطني بجد سعيد أو بسعد مجدد
لقد حق لي عشق الوجود وأهله وقد علقت كفاي جمعا بموجدي
فلما تجلى لي على كل شاهد وسامرني بالرمز في كل مشهد
تجنبت تقييد الجمال ترفعا وطالعت أسرار الجمال المبدد
وصار سماعي مطلقا منه بدؤه وحاشى لمثلي من سماع مقيد
ففي كل مشهود لقلبي شاهد وفي كل مسموع له لحن معبد
أراه بأوصاف الجمال جميعها بغير اعتقاد للحلول المبعد
ففي كل هيفاء المعاطف غادة وفي كل مصقول السوالف أغيد
وفي كل بدر لاح في ليل شعره على كل غصن مائس العطف أملد
وعند اعتناقي كل قد مهفهف ورشفي رضابا كالرحيق المبرد
وفي الدر والياقوت والطيب والحلى على كل ساجي الطرف لدن المقلد
وفي حلل الأثواب راقت لناظري بزبرجها من مذهب ومورد
وفي الراح والريحان والسمع والغنا وفي سجع ترجيع الحمام المغرد
وفي الدوح والأنهار والزهر والندى وفي كل بستان وقصر مشيد
[ ص: 553 ] وفي الروضة الفيحاء تحت سمائها يضاحك نور الشمس نوارها الندي
وفي صفو رقراق الغدير إذا حكى وقد جعلته الريح صفحة مبرد
وفي اللهو والأفراح والغفلة التي تمكن أهل الفرق من كل مقصد
وعند انتشاء الشرب في كل مجلس بهيج بأنواع الثمار المنضد
وعند اجتماع الناس في كل جمعة وعيد وإظهار الرياش المجدد
وفي لمعان المشرفيات بالوغى وفي ميل أعطاف القنا المتأود
وفي الأعوجيات العتاق إذا انبرت تسابق وفد الريح في كل مطرد
وفي الشمس تجلى وهي في برج نورها لدى الأفق الشرقي مرآة عسجد
وفي البدر بدر الأفق ليلة تمه جلته سماء مثل صرح ممرد
وفي أنجم زانت دجاها كأنها نثار لآل في بساط زبرجد
وفي الغيث روى الأرض بعد همودها قبال نداه متهم بعد منجد
وفي البرق يغدو موهنا في سحابه كباسم ثغر أو حسام مجرد
وفي حسن تنميق الخطاب وسرعة الج واب وفي الخط الأنيق المجود
وفي رقة الأشعار راقت لسامع بدائعها من مقصر ومقصد
وفي عود عيد الوصل من بعد جفوة وفي أمن أحشاء الطريد المشرد
وفي رحمة المعشوق شكوى محبه وفي رقة الألفاظ عند التودد
وفي أريحيات الكريم إلى الندى وفي عاطفات العفو من كل سيد
[ ص: 554 ] وحالة بسط العارفين وأنسهم وتحريكهم عند السماع المقيد
وفي لطف آيات الكتاب التي بها تنسم روح الوعد بعد التوعد
كذلك أوصاف الجلال مظاهر أشاهده فيها بغير تردد
ففي صولة القاضي الجليل وسمته وفي سطوة الملك الشديد التمرد
وفي حدة الغضبان حالة طيشه وفي نخوة القرم المهيب المسود
وفي صولة الصهباء حار مديرها وفي بؤس أخلاق النديم المعربد
وفي الحر والبرد اللذين تقسما الزمان وفي إيلام كل مجسد
وفي سر تسليط النفوس بشرها علي وتحسين التعدي لمعتدي
وفي عسر العادات يستعرف القضا وتكحل عين الشمس منه بإثمد
وعند اصطدام الخيل في كل موقف يعثر فيه بالوشيج المنضد
وفي شدة الليث الصئول وبأسه وشدة عيش بالسقام منكد
وفي جفوة المحبوب بعد وصاله وفي غدره من بعد عهد مؤكد
وفي روعة البين المسيء وموقف ال وداع لحران الجوانح مكمد
وفي فرقة الألاف بعد اجتماعهم وفي كل تشتيت وشمل مبدد
وفي كل دار أقفرت بعد أنسها وفي طلل بال دراس معهد
وفي هول أمواج البحار ووحشة ال قفار وسيل بالمزاييب مزبد
[ ص: 555 ] وعند قيامي بالفرائض كلها وحالة تسليم لسر التعبد
وعند خشوعي في الصلاة لعزة ال مناجى وفي الإطراق عند التهجد
وحالة إهلال الحجيج بحجهم وإعمالهم للعيس في كل فدفد
وفي عسر تخليص الحلال وفترة ال ملال لقلب الناسك المتعبد
وفي ذكر آيات العذاب وظلمة ال حجاب وقبض الناسك المتزهد
ويبدو بأوصاف الكمال فلا أرى برؤيته شيئا قبيحا ولا ردي
فكل مسيء لي إلي كمحسن وكل مضل لي إلي كمرشد
فلا فرق عندي بين أنس ووحشة ونور وإظلام ومدن ومبعد
وسيان إفطاري وصومي وفترتي وجهدي ونومي وادعاء تهجدي
أرى تارة في حانة الخمر خالعا عذاري وطورا في حنية معبد
تجلى لسري بالحقيقة مشرب فوقتي ممزوج بكشف مسرمد
تعمرت الأوطان بي وتحققت مظاهرها عندي بعيني ومشهدي
وقلبي على الأشياء أجمع قلب وسري مقسوم على كل مورد
فهيكل أوثان ودير لراهب وبيت لنيران وقبلة مسجد
ومرج لغزلان وحانة قهوة وروضة أزهار ومطلع أسعد
[ ص: 556 ] وأسرار عرفان ومفتاح حكمة وأنفاس وجدان وفيض تبلد
وجيش لضرغام وخدر لكاعب وظلمة حيران ونور لمهتدي
تقابلت الأضداد عندي جميعها كمحنة مجهود ومنحة مجتدي
وأحكمت تقرير المراتب صورة ومعنى ومن عين التفرد موردي
فما موطن إلا ولي فيه موقف على قدم قامت بحق التفرد
فلا غرو إن فت الأنام بها وقد علقت بحبل من حبال محمد
عليه صلاة الله تشفع دائما بروح تحيات السلام المردد