[ ص: 571 ] ثم دخلت سنة ثمانين وستمائة
استهلت والخليفة الحاكم ، وسلطان البلاد
الملك المنصور قلاوون .
وفي عاشر المحرم انعقدت
الهدنة بين أهل عكا والمرقب والسلطان وكان نازلا على
الروحاء ، وقد قبض على جماعة من الأمراء ممن كان معه ، وهرب آخرون إلى قلعة صهيون إلى خدمة
سنقر الأشقر ، ودخل
المنصور إلى
دمشق في التاسع عشر من المحرم ، فنزل القلعة وقد زينت له البلد ، وفي يوم التاسع والعشرين من المحرم أعاد القضاء إلى
عز الدين بن الصائغ ، وعزل
ابن خلكان
وفي أول صفر باشر قضاء الحنابلة
نجم الدين بن الشيخ شمس بن أبي عمر ، وقد كان المنصب شاغرا منذ عزل والده نفسه عن القضاء ، وتولى قضاء
حلب في هذا الشهر
تاج الدين يحيى بن محمد بن إسماعيل الكردي .
وجلس
الملك المنصور بدار العدل في هذا الشهر ، فحكم وأنصف المظلوم من الظالم ، وقدم عليه صاحب
حماة ، فتلقاه
المنصور بنفسه في موكبه ، ونزل بداره بباب الفراديس .
[ ص: 572 ] وفي ربيع الأول وقع
الصلح بين الملك المنصور قلاوون وبين سنقر الأشقر الملك الكامل على أن يسلم للسلطان
شيزر ويعوضه عنها
بأنطاكية وكفر طاب وشغر وبكاس وغير ذلك ، وعلى أن يقيم على ما بيده ستمائة فارس ، وتحالفا على ذلك ، ودقت البشائر لذلك ، وكذلك صالح صاحب
الكرك الملك خضر بن الظاهر على تقرير ما بيده ، ونودي بذلك في البلاد .
وفي العشر الأول من هذا الشهر ضمن الخمر والزنى
بدمشق ، وجعل عليه ديوان ومشد ، فقام في إبطال ذلك جماعة من العلماء والصلحاء والعباد ، فأبطل بعد عشرين يوما ، وأريقت الخمور وأقيمت الحدود ، ولله الحمد والمنة .
وفي تاسع عشر ربيع الآخر وصلت
الخاتون ابنة بركة خان زوجة الملك الظاهر ، ومعها ولدها
الملك السعيد قد نقلته من
قرية المساجد بالقرب من
الكرك لتدفنه عند أبيه
بالتربة الظاهرية ، فرفع بحبال من السور ، ودفن عند والده الظاهر ، ونزلت أمه بدار صاحب
حمص ، وهيئت لها الإقامات وعمل عزاء ولدها يوم الحادي والعشرين من ربيع الآخر بالتربة المذكورة ، وحضر
السلطان المنصور وأرباب الدولة والقراء والوعاظ .
وفي أواخر ربيع الآخر
عزل التقي توبة التكريتي من الوزارة بدمشق ، [ ص: 573 ] وباشرها بعده
تاج الدين السنهوري .
وكتب
السلطان المنصور إلى
مصر وغيرها من البلاد يستدعي الجيوش لأجل اقتراب مجيء
التتار; فدخل
أحمد بن حجي ومعه بشر كثير من
الأعراب ، وجاء صاحب
الكرك الملك المسعود نجدة للسلطان يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة ، وقدم الناس عليه ، ووفدوا إليه من كل مكان ، وجاءته
التركمان والأعراب وغيرهم ، وكثرت الأراجيف
بدمشق ، وكثرت العساكر بها ، وانجفل الناس من بلاد
حلب وتلك النواحي ، وتركوا الغلات والأموال خوفا من أن يدهمهم العدو من
التتار ، ووصلت
التتر صحبة
منكوتمر بن هولاكو إلى
عين تاب ، وسارت العساكر
المنصورة إلى نواحي
حلب يتبع بعضها بعضا ، ونازلت
التتر بالرحبة في أواخر جمادى الآخرة طائفة من
الأعراب ، وكان فيهم ملك
التتار أبغا مختفيا ينظر ماذا يصنع أصحابه ، وكيف يقاتلون أعداءه ، ثم خرج
الملك المنصور من
دمشق وكان خروجه منها في أواخر جمادى ، وقنت الخطباء والأئمة بالجوامع والمساجد وغيرها في الصلوات ، وجاء مرسوم السلطان باستسلام
أهل الذمة من الدواوين والكتبة ، ومن لا يسلم يصلب ، فأسلموا كرها ، فكانوا يقولون : آمنا وحكم الحاكم بإسلامنا . بعد أن عرض من امتنع منهم على الصلب بسوق الخيل ، وجعلت الحبال في أعناقهم ، فأجابوا والحالة هذه ، ولما انتهى السلطان
الملك المنصور إلى
حمص كتب إلى
الملك الكامل سنقر الأشقر يطلبه إليه نجدة ، فجاء إلى خدمته ، فأكرمه السلطان واحترمه ورتب له
[ ص: 574 ] الإقامات ، وتكاملت الجيوش كلها في صحبة
الملك المنصور عازمين على لقاء العدو لا محالة مخلصين في ذلك ، واجتمع الناس بعد خروج الملك في جامع
دمشق ، ووضعوا المصحف العثماني بين أيديهم ، وجعلوا يبتهلون إلى الله تعالى في نصرة الإسلام وأهله على الأعداء ، وخرجوا كذلك والمصحف على رءوسهم إلى المصلى يدعون ويبتهلون ويبكون ، وأقبلت
التتار قليلا قليلا ، فلما وصلوا
حماة أحرقوا بستان الملك وقصره وما هنالك من المساكن ،
والسلطان المنصور مخيم
بحمص في عساكر من
الأتراك والتركمان وغيرهم في جحفل كثير جدا ، فأقبلت
التتار في مائة ألف مقاتل أو يزيدون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .