[ ص: 691 ] ثم دخلت سنة ست وتسعين وستمائة
استهلت والخليفة الحاكم العباسي ، وسلطان البلاد الملك العادل
زين الدين كتبغا وهو في نواحي
حمص يتصيد ، ومعه نائب
الديار المصرية حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري وأكابر الأمراء ، ونائب
الشام بدمشق الأمير
سيف الدين غرلو العادلي ، وقضاة
الشام هم المذكورون في التي قبلها غير الحنبلي فإنه
تقي الدين سليمان بن حمزة ، والوزير
شهاب الدين الحنفي وابنه
المحتسب ، وخطيب البلد قاضي القضاة
بدر الدين بن جماعة الشافعي ، فلما كان يوم الأربعاء ثاني المحرم
دخل السلطان الملك العادل كتبغا ضحى إلى دمشق من نواحي حمص ، وصلى الجمعة بالمقصورة ، وزار قبر هود ، وصلى عنده ، وأخذ من الناس قصصهم بيده ، وجلس بدار العدل يوم السبت ، ووقع على القصص هو ووزيره
فخر الدين الخليلي .
وفي هذا الشهر حضر
شهاب الدين بن محيي الدين بن النحاس في مدرستي أبيه; الريحانية والظاهرية ، وحضر الناس عنده ، ثم حضر السلطان دار العدل يوم الثلاثاء ، وجاء إلى صلاة الجمعة ، فصلى بالمقصورة ثم صعد في
[ ص: 692 ] هذا اليوم إلى مغارة الدم وزارها ، ودعا هنالك ، وتصدق بجملة من المال ، وحضر الوزير
فخر الدين بن الخليلي ليلة الأحد ثالث عشر المحرم إلى الجامع بعد العشاء فجلس عند شباك الكاملية ، وقرأ القراء بين يديه ، ورسم بأن يكمل داخل الجامع بالفرش ، ففعلوا ذلك ، واستمر ذلك نحوا من شهرين ، ثم عاد إلى ما كان عليه .
وفي صبيحة هذا اليوم
درس القاضي شمس الدين بن الحريري بالقيمازية عوضا عن ابن النحاس باتفاق منهم ، وحضر عنده جماعة ، ثم صلى السلطان الجمعة بالمقصورة ، ومعه وزيره
ابن الخليلي ، وهو ضعيف من مرض أصابه ، وفي سابع عشر المحرم أمر للملك
الكامل بن الملك السعيد بن الصالح إسماعيل بن العادل بطبلخانة ولبس الشربوش ، ودخل القلعة ، وضربت له الكوسات على بابه ، وخرج السلطان الملك العادل
كتبغا بالعساكر المنصورة من
دمشق بكرة يوم الثلاثاء ثاني عشرين المحرم ، وخرج بعده الوزير ، فاجتاز بدار الحديث ، وزار الأثر النبوي ، وخرج إليه الشيخ
زين الدين الفارقي ، وشافهه بتدريس الناصرية ، وترك
زين الدين تدريس الشامية البرانية ، فوليها القاضي
كمال الدين بن الشريشي ، وذكر أن الوزير أعطى الشيخ
زين الدين شيئا من حطام الدنيا فقبله ، وكذلك أعطى خادم الأثر وهو المعين خطاب . وخرج الأعيان والقضاة مع الوزير لتوديعه . ووقع في هذا اليوم مطر جيد استشفى الناس به ،
[ ص: 693 ] وغسل آثار العساكر من الأوساخ وغيرها ، وعاد
التقي توبة من توديع الوزير ، وقد فوض إليه نظر الخزانة ، وعزل عنها
شهاب الدين بن النحاس ، ودرس الشيخ
زين الدين بالناصرية الجوانية عوضا عن القاضي
بدر الدين بن جماعة في يوم الأربعاء آخر يوم من المحرم .
وفي هذا اليوم تحدث الناس فيما بينهم بوقوع تخبيط بين العسكر وخلف وتشويش ، فغلق باب القلعة الذي يلي
المدينة ، ودخل الصاحب
شهاب الدين إليها من باب الخوخة ، وتهيأ النائب والأمراء ، وركب طائفة من الجيش على باب النصر وقوفا هنالك ، فلما كان وقت العصر وصل السلطان الملك العادل
كتبغا إلى القلعة في خمسة أنفس أو ستة من مماليكه ، فدخل القلعة ، فجاء إليه الأمراء ، وأحضر
ابن جماعة وحسام الدين الحنفي ، وتجدد تحليف الأمراء ثانية فحلفوا له ، وخلع عليهم ، وأمر بالاحتياط على نواب الأمير
حسام الدين لاجين وحواصله ، وأقام
العادل بالقلعة هذه الأيام ، وكان الخلف الذي وقع بينهم بوادي فحمة يوم الاثنين الثامن والعشرين من المحرم ، وذلك أن الأمير
حسام الدين لاجين كان قد واطأ جماعة من الأمراء في الباطن على
العادل ، وتوثق منهم ، وأشار على
العادل حين خرجوا من
دمشق أن يستصحب معه الخزانة; وذلك لئلا يبقى
بدمشق شيء من المال يتقوى به
العادل إن فاتهم ورجع إلى
دمشق ، ويكون قوة له هو في الطريق على ما عزم عليه من الغدر ، فلما كانوا
[ ص: 694 ] بالمكان المذكور قتل
لاجين الأمير
سيف الدين بتخاص وبكتوت الأزرق العادليين ، وأخذ الخزانة من بين يديه والعسكر ، وقصد
الديار المصرية ، فلما سمع
العادل بذلك خرج من الدهليز ، وساق جريدة إلى
دمشق ، فدخلها كما ذكرنا ، وتراجع بعض مماليكه
كزين الدين غلبك وغيره ، ولزم
شهاب الدين الحنفي القلعة لتدبير المملكة ، ودرس
كمال الدين بن الشريشي بالشامية البرانية بكرة يوم الخميس مستهل صفر ، وتقلبت أمور كثيرة في هذه الأيام ، ولزم السلطان القلعة لا يخرج منها ، وأطلق كثيرا من المكوس ، وكتب بذلك تواقيع ، وقرئت على الناس ، وغلا السعر جدا ، فبلغت الغرارة مائتين ، واشتد الحال وتفاقم الأمر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .