ثم دخلت
سنة ثلاث وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها . وفي صفر تولى الشيخ
كمال الدين بن الشريشي نظر الجامع الأموي ، وخلع عليه ، وباشره مباشرة مشكورة ، وساوى بين الناس ، وعزل نفسه في رجب منها . وفي شهر صفر تولى الشيخ
شمس الدين الذهبي خطابة
كفر بطنا ، وأقام بها .
ولما توفي الشيخ
زين الدين الفارقي في هذه السنة ، كان نائب السلطنة في نواحي
البلقاء يكشف بعض الأمور ، فلما قدم تكلموا معه في وظائف
الفارقي ، فعين الخطابة
لشرف الدين الفزاري ، وعين الشامية البرانية ودار الحديث للشيخ
كمال الدين بن الشريشي ، وذلك بإشارة الشيخ
تقي الدين ابن تيمية ، وأخذ منه الناصرية للشيخ
كمال الدين بن الزملكاني ، ورسم بكتابة التواقيع بذلك ، وباشر الشيخ
شرف الدين الإمامة والخطابة ، وفرح الناس به لحسن قراءته ، وطيب صوته ، وجودة سيرته ، فلما كان بكرة يوم الاثنين ثاني عشرين ربيع الأول وصل البريد من
مصر صحبة الشيخ
صدر الدين بن الوكيل ، وقد سبقه مرسوم السلطان له بجميع جهات
الفارقي مضافا إلى ما بيده من التدريسين ، فاجتمع بنائب السلطنة بالقصر ، وخرج من عنده إلى الجامع ، ففتح له باب دار الخطابة فنزلها ،
[ ص: 34 ] وجاءه الناس يهنئونه ، وحضر عنده القراء والمؤذنون ، وصلى بالناس العصر ، وباشر الإمامة يومين ، فأظهر الناس التألم من صلاته وخطابته ، وسعوا فيه إلى نائب السلطنة ، فمنعه من الخطابة ، وأقره على التداريس ودار الحديث ، وجاء توقيع سلطاني للشيخ
شرف الدين الفزاري بالخطابة ، فخطب يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى ، وخلع عليه بطرحة ، وفرح الناس به ، وأخذ الشيخ
كمال الدين بن الزملكاني تدريس الشامية البرانية من يد
ابن الوكيل ، وباشرها في مستهل جمادى الأولى ، واستقرت دار الحديث بيد
ابن الوكيل مع مدرستيه الأوليين ، وأظنهما العذراوية ، والشامية الجوانية .
ووصل البريد في ثاني عشر جمادى الأولى بإعادة
السنجري إلى نيابة
القلعة ، وتولية نائبها الأمير
سيف الدين الجوكندار نيابة
حمص عوضا عن
عز الدين الحموي ، توفي .
وفي يوم السبت ثاني عشر رمضان قدمت ثلاثة آلاف فارس من
مصر ، وأضيف إليها ألفان من
دمشق ، وساروا ، فأخذوا معهم نائب
حمص الجوكندار ، ووصلوا إلى
حماة ، فصحبهم نائبها الأمير
سيف الدين قبجق ، وجاء إليهم
أسندمر نائب
طرابلس ، وانضاف إليهم
قراسنقر نائب
حلب ، وانفصلوا كلهم عنها فانفرقوا فرقتين ، سارت طائفة صحبة
قبجق إلى ناحية
ملطية وقلعة [ ص: 35 ] الروم ، والفرقة الأخرى صحبة
قراسنقر حتى دخلوا
الدربندات ، وحاصروا
تل حمدون ، فتسلموه عنوة في ثالث عشر ذي القعدة بعد حصار طويل ، فدقت البشائر
بدمشق لذلك ، ووقع الاتفاق مع صاحب
سيس على أن يكون للمسلمين من
نهر جيهان إلى
حلب ،
وبلاد ما وراء النهر إلى ناحيتهم لهم ، وأن يعجلوا حمل سنتين ، ووقعت الهدنة على ذلك بعد ما قتل خلق من الأمراء الأرمن ورؤسائهم ، وعادت العساكر إلى
دمشق مؤيدين منصورين ، ثم توجهت العساكر المصرية صحبة مقدمهم أمير سلاح إلى
مصر .
وفي أواخر السنة كان موت
قازان وتولية أخيه
خربندا ، وهو ملك
التتر قازان ، واسمه
محمود بن أرغون بن أبغا ، في رابعه ، أو حادي عشره ، بالقرب من
همذان ، ونقل إلى تربته
بتبريز بمكان يسمى
الشام ، ويقال : إنه مات مسموما ، وقام في الملك بعده أخوه
خربندا محمد بن أرغون ، ولقبوه
الملك غياث الدين ، وخطب له على منابر
العراق ، وخراسان ، وتلك النواحي والبلاد .
وحج في هذه السنة الأمير
سيف الدين سلار نائب
مصر ، وفي صحبته
[ ص: 36 ] أربعون أميرا ، وجميع أولاد الأمراء ، وحج معهم وزير
مصر الأمير
عز الدين البغدادي ، وتولى مكانه بالبركة الأمير
ناصر الدين محمد الشيخي ، وخرج سلار في أبهة عظيمة جدا ، وأمير ركب المصريين الحاج
أناق الحسامي .
وترك الشيخ
صفي الدين مشيخة الشيوخ ، فوليها القاضي
عبد الكريم بن قاضي القضاة محيي الدين بن الزكي ، وحضر الخانقاه يوم الجمعة حادي عشرين من ذي القعدة ، وحضر عنده
ابن صصرى ،
وعز الدين بن القلانسي ، والصاحب
ابن ميسر ،
والمحتسب ، وجماعة .
وفي ذي القعدة وصل من
التتر مقدم كبير قد هرب منهم إلى بلاد الإسلام ، وهو الأمير
بدر الدين جنكلي بن البابا ، وفي صحبته نحو من عشرة ، فحضروا الجمعة في الجامع ، وتوجهوا إلى
مصر ، فأكرم ، وأعطي إمرة ألف ، وكان مقامه ببلاد
آمد ، وكان يناصح السلطان ، ويكاتبه ، ويطلعه على عورات
التتر ، فلهذا عظم شأنه في الدولة الناصرية .