[ ص: 45 ] ثم دخلت
سنة أربع وسبعمائة
استهلت والخليفة ، والسلطان ، والحكام ، والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها . وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول حضرت الدروس والوظائف التي أنشأها الأمير
بيبرس الجاشنكير المنصوري بجامع الحاكم ، بعد أن جدده من خرابه بالزلزلة التي طرقت ديار
مصر في آخر سنة ثنتين وسبعمائة ، وجعل القضاة الأربعة هم المدرسين للمذاهب ، وشيخ الحديث
سعد الدين الحارثي ، وشيخ النحو
أثير الدين أبا حيان ، وشيخ القراءات
السبع نور الدين الشطنوفي ، وشيخ إفادة العلوم
علاء الدين القونوي .
وفي جمادى الآخرة باشر الأمير
ركن الدين بيبرس الحجوبية مع الأمير
سيف الدين بكتمر ، وصارا حاجبين كبيرين في
دمشق .
وفي رجب منها أحضر إلى
الشيخ تقي الدين ابن تيمية شيخ كان يلبس
[ ص: 46 ] دلقا كبيرا متسعا جدا ، يسمى
المجاهد إبراهيم القطان ، فأمر الشيخ بتقطيع ذلك الدلق ، فتناهبه الناس من كل جانب ، وقطعوه حتى لم يدعوا منه شيئا ، وأمر بحلق رأسه ، وكان ذا شعر ، وقلم أظفاره ، وكانوا طوالا جدا ، وحف شاربه المسبل على فمه ، المخالف للسنة ، واستتابه من كلام الفحش ، وأكل ما لا يجوز أكله من المحرمات ، ومما يغير العقل من الحشيشة وغيرها . وبعده استحضر الشيخ
محمد الخباز البلاسي ، فاستتابه أيضا عن أكل المحرمات ، ومخالطة أهل الذمة ، وكتب عليه مكتوبا أن لا يتكلم في تعبير المنامات ولا في غيرها مما لا علم له به .
وفي هذا الشهر بعينه راح الشيخ
تقي الدين ابن تيمية إلى مسجد النارنج ، وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت هناك بنهر قلوط - تزار وينذر لها - فقطعها ، وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها ، فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما ، وبهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة ، وكذلك بكلامه في
ابن عربي وأتباعه ، فحسد على ذلك وعودي ، ومع هذا لم تأخذه في الله لومة لائم ، ولا بالى ، ولم يصلوا إليه بمكروه ، وأكثر ما نالوا منه
[ ص: 47 ] الحبس ، مع أنه لم ينقطع في بحث لا
بمصر ولا
بالشام ، ولم يتوجه لهم عليه ما يشين ، وإنما أخذوه ، وحبسوه بالجاه كما سيأتي ، وإلى الله إياب الخلق ، وعليه حسابهم .
وفي رجب جلس قاضي القضاة
نجم الدين بن صصرى بالمدرسة العادلية الكبيرة ، وعملت التخوت بعدما جددت عمارة المدرسة ، ولم يكن أحد يحكم بها بعد وقعة
قازان بسبب خرابها ، وجاء المرسوم للشيخ
برهان الدين الفزاري بوكالة بيت المال ، فلم يقبل ، وللشيخ
كمال الدين بن الزملكاني بنظر الخزانة ، فقبل ، وخلع عليه بطرحة ، وحضر بها يوم الجمعة ، وهاتان الوظيفتان كانتا مع
نجم الدين بن أبي الطيب ، توفي إلى رحمة الله تعالى .
وفي شعبان سعى جماعة في تبطيل الوقيد ليلة النصف ، وأخذوا خطوط العلماء في ذلك ، وتكلموا مع نائب السلطنة ، فلم يتفق ذلك ، بل أشعلوا ، وصليت صلاة ليلة النصف أيضا . وفي خامس رمضان وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر بوكالة بيت المال ، ولبس الخلعة يوم الجمعة سابع رمضان ، وحضر عنده ابن صصرى بالشباك الكمالي . وفي سابع شوال عزل وزير مصر ناصر الدين بن الشيخي ، وقطع إقطاعه ، ورسم عليه ، وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة ، وتولى الوزارة سعد الدين محمد بن محمد بن عطايا ، وخلع عليه .
[ ص: 48 ] وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة ، حكم قاضي القضاة جمال الدين الزواوي بقتل الشمس محمد بن جمال الدين عبد الرحيم
الباجربقي ، وإراقة دمه ، وإن تاب وإن أسلم ، بعد إثبات محضر عليه يتضمن كفر
الباجربقي المذكور ، وممن شهد عليه فيه الشيخ مجد الدين التونسي النحوي الشافعي ، فهرب
الباجربقي إلى
بلاد الشرق ، فمكث بها مدة سنين ، ثم جاء بعد موت الحاكم المذكور كما سيأتي .
وفي ذي القعدة كان نائب السلطنة في الصيد ، فقصدهم في الليل طائفة من الأعراب ، فقاتلهم الأمراء ، فقتلوا من العرب نحو النصف ، وتوغل في العرب أمير يقال له :
سيف الدين بهادر سمز احتقارا بالعرب ، فضربه واحد منهم برمح فقتله ، فكرت الأمراء عليهم ، فقتلوا منهم خلقا أيضا ، وأخذوا واحدا منهم زعموا أنه هو الذي قتله ، فصلب تحت القلعة ، ودفن الأمير المذكور
بقبر الست .
وفي ذي القعدة تكلم الشيخ
شمس الدين بن النقيب ، وجماعة من الفقهاء في الفتاوى الصادرة من الشيخ
علاء الدين بن العطار شيخ دار الحديث النورية والقوصية ، وأنها مخالفة لمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وفيها تخبيط كثير ، فتوهم من ذلك ، وراح إلى الحنفي ، فحقن دمه ، وأبقاه على وظائفه ، ثم بلغ ذلك نائب السلطنة ، فأنكر على المنكرين عليه ، ورسم عليهم ، ثم اصطلحوا ، ورسم
[ ص: 49 ] نائب السلطنة أن لا تثار الفتن بين الفقهاء .
وفي مستهل ذي الحجة ركب الشيخ
تقي الدين ابن تيمية وجماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين ، ومعه نقيب الأشراف
زين الدين بن عدنان ، فاستتابوا خلقا منهم ، وألزموهم بشرائع الإسلام ، ورجع مؤيدا منصورا .