[ ص: 101 ] ثم دخلت
سنة عشر وسبعمائة
استهلت وخليفة الوقت
المستكفي بالله أبو الربيع سليمان العباسي ،
وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون ، والشيخ تقي الدين
ابن تيمية مقيم
بمصر معظما مكرما ، والنائب
بمصر الأمير سيف الدين
بكتمر أمير جاندار ، وقضاته هم المذكورون في التي قبلها ، سوى الحنبلي ، فإنه
سعد الدين الحارثي ، والوزير
بمصر فخر الدين بن الخليلي ، وناظر الجيوش فخر الدين كاتب المماليك ، ونائب
الشام قراسنقر المنصوري ، وقضاة
دمشق هم هم ، ونائب
حلب قبجق ، ونائب
طرابلس الحاج بهادر ،
والأفرم بصرخد .
وفي المحرم منها باشر الشيخ
أمين الدين سالم بن أبي الدر ، - وكيل بيت المال ، إمام مسجد
ابن هشام - تدريس الشامية الجوانية ، والشيخ
صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية ، كلاهما انتزعها من
ابن [ ص: 102 ] الوكيل بسبب إقامته
بمصر ، وكان قد وفد إلى المظفر ، فأكرمه ورتب له رواتب لانتمائه إلى نصر المنبجي ، ثم عاد بتوقيع سلطاني بمدرستيه ، فأقام بهما شهرا أو سبعة ، ثم استعاداهما منه ورجعتا إلى المدرسين الأولين
الأمين سالم ، والصدر الكردي ، ورجع
الخطيب جلال الدين إلى الخطابة في سابع عشر المحرم ، وعزل عنها
البدر بن الحداد ، وباشر
الصاحب شمس الدين نظر الجامع ، والأسرى ، والأوقاف قاطبة يوم الاثنين ، وخلع عليه ، ثم أضيف إليه
شرف الدين بن صصرى في نظر الجامع ، وكان ناظره مستقلا به قبلهما . وفي يوم عاشوراء قدم
أسندمر إلى
دمشق متوليا نيابة
حماة ، وسافر إليها بعد سبعة أيام .
وفي المحرم باشر
بدر الدين بن الحداد نظر المارستان ، عوضا عن
شمس الدين بن الحظيري ، ووقعت منازعة بين الشيخ
صدر الدين بن الوكيل وبين
الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية ، وكتبوا في
ابن الوكيل محضرا يتضمن من القبائح ، والفضائح ، والكفريات على
ابن الوكيل ، فبادر
ابن الوكيل إلى
القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي ، فحكم بإسلامه ، وحقن دمه ، وإسقاط التعزير عنه ، والحكم بعدالته واستحقاقه للمناصب ، وأشهد عليه بذلك في شهر المحرم المذكور ، ولكن خرجت عنه المدرستان العذراوية
لسليمان [ ص: 103 ] الكردي ، والشامية الجوانية
للأمين سالم ، ولم يبق معه سوى دار الحديث الأشرفية .
وفي ليلة الاثنين السابع من صفر وصل
النجم محمد بن عثمان البصراوي من
مصر متوليا الوزارة
بالشام ، ومعه توقيع بالحسبة لأخيه
فخر الدين سليمان ، فباشرا المنصبين المذكورين بالخلع ، ونزلا بدرب سقون الذي يقال له : درب ابن أبي الهيجاء . ثم انتقل الوزير إلى دار الأعسر عند
باب البريد ، واستمر نظر الخزانة لعز
الدين أحمد بن القلانسي أخي الشيخ جلال الدين .
وفي مستهل ربيع الأول باشر القاضي
جمال الدين الزرعي قضاء القضاة
بمصر ، عوضا عن
بدر الدين بن جماعة ، وكان قد أخذ منه قبل ذلك مشيخة الشيوخ في ذي الحجة ، وأعيدت إلى الكريم الآملي ، وأخذت منه الخطابة أيضا ، وجاء البريد إلى
الشام بطلب القاضي
شمس الدين بن الحريري لقضاء الديار المصرية ، فسار في العشرين من ربيع الأول ، وخرج معه جماعة لتوديعه ، فلما قدم على السلطان أكرمه ، وعظمه ، وولاه قضاء الحنفية ، وتدريس الناصرية والصالحية ، وجامع الحاكم ، وعزل عن ذلك
القاضي شمس الدين السروجي ، فمكث أياما ثم مات . وفي منتصف هذا الشهر مسك من
دمشق [ ص: 104 ] سبعة أمراء ، ومن
القاهرة أربعة عشر أميرا .
وفي ربيع الآخر اهتم السلطان بطلب الأمير
سيف الدين سلار ، فحضر هو بنفسه إليه ، فعاتبه ، ثم استخلصت منه أمواله وحواصله في مدة شهر ، ثم قتل بعد ذلك ، فوجد معه من الأموال ، والحيوان ، والأملاك ، والأسلحة ، والمماليك ، والجمال ، والبغال ، والحمير أيضا ، والرباع شيء كثير ، وأما الجواهر ، والذهب ، والفضة ، فشيء لا يحد ولا يوصف من كثرته ، وحاصل الأمر أنه قد استأثر لنفسه طائفة كبيرة من بيت المال وأموال المسلمين تجري إليه ، ويقال : إنه كان مع هذا كثير العطاء كريما ، محببا إلى الدولة والرعية ، والله أعلم . وقد باشر نيابة السلطنة
بمصر من سنة ثمان وتسعين إلى أن قتل يوم الأربعاء رابع عشرين هذا الشهر ، ودفن بتربته ليلة الخميس بالقرافة ، سامحه الله .
وفي ربيع الآخر درس
القاضي شمس الدين بن العز الحنفي بالظاهرية ، عوضا عن
شمس الدين بن الحريري ، وحضر عنده خاله الصدر علي ، - قاضي قضاة الحنفية - وبقية القضاة والأعيان .
وفي هذا الشهر كان الأمير
سيف الدين أسندمر قد قدم
دمشق لبعض أشغاله ، وكان له حنو على الشيخ
صدر الدين بن الوكيل ، فاستنجز له مرسوما بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية ، فلم يباشر ذلك حتى سافر
أسندمر ، فاتفق له بعد يومين أنه وقعت كائنة بدار
ابن درباس بالصالحية ، من الحنابلة وغيرهم ، وذكروا أنه وجد شيء من المنكر وغير ذلك ، فاجتمع عليه جماعة من الحنابلة
[ ص: 105 ] وغيرهم ، وبلغ ذلك نائب السلطنة ، فكاتب فيه ، فورد الجواب بعزله عن المناصب الدينية ، فخرجت عنه دار الحديث الأشرفية ، وبقي
بدمشق وليس بيده وظيفة ، فلما كان في آخر رمضان سافر إلى
حلب ، فقرر له نائبها
أسندمر شيئا على الجامع ، ثم ولاه تدريسا هناك ، وأحسن إليه ، وكان الأمير
أسندمر قد انتقل إلى نيابة
حلب في جمادى الآخرة ، عوضا عن
سيف الدين قبجق ، توفي ، وباشر مملكة
حماة بعده الأمير
عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، وانتقل
جمال الدين آقوش الأفرم من
صرخد إلى نيابة
طرابلس عوضا عن
الحاج بهادر .
وفي يوم الخميس سادس عشر شعبان باشر
الشيخ كمال الدين بن الزملكاني مشيخة دار الحديث الأشرفية ، عوضا عن
ابن الوكيل ، وأخذ في التفسر ، والحديث ، والفقه ، فذكر من ذلك دروسا حسنة ، ثم لم يستمر بها سوى خمسة عشر يوما حتى انتزعها منه
كمال الدين بن الشريشي ، فباشرها يوم الأحد ثالث شهر رمضان .
وفي شعبان رسم
قراسنقر نائب
الشام بتوسعة المقصورة ، فأخرت سدة المؤذنين إلى الركنين المؤخرين تحت قبة النسر ، ومنعت الجنائز من دخول الجامع أياما ، ثم أذن في دخولهم .
وفي خامس رمضان قدم
فخر الدين أياس الذي كان نائبا بقلعة
الروم إلى
دمشق شاد الدواوين ، عوضا عن
زين الدين كتبغا المنصوري ،
[ ص: 106 ] وولي بعده وزارة
مصر الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=15554سيف الدين بكتمر الحاجب عوضا عن
فخر الدين بن الخليلي .
وخرج الركب الشامي في شوال وأميرهم الأمير
زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان شاد الدواوين . وفي شوال باشر
الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي مشيخة الشيوخ بالديار المصرية عوضا عن الشيخ
كريم الدين عبد الكريم بن الحسين الآملي ، توفي ، وكان له تجريد ، وله همة ، وخلع على
القونوي خلعة سنية ، وحضر
سعيد السعداء بها .
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة خلع على الصاحب
عز الدين بن القلانسي خلعة الوزارة
بالشام ، عوضا عن
النجم البصراوي بحكم إقطاعه إمرة عشرة ، وإعراضه عن الوزارة .
وفي يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة عاد الشيخ
كمال الدين بن الزملكاني إلى تدريس الشامية البرانية ، وفي هذا اليوم لبس
تقي الدين بن الصاحب شمس الدين بن السلعوس خلعة النظر على الجامع الأموي ، ومسك الأمير
سيف الدين أسندمر نائب
حلب في ثاني ذي الحجة ، وحمل إلى
مصر ، وكذلك مسك نائب
البيرة سيف الدين طوغان بعده بليال .