[ ص: 135 ] ثم دخلت
سنة أربع عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم هم في التي قبلها ، إلا
الوزير أمين الملك ، فمكانه
بدر الدين بن التركماني . وفي رابع المحرم عاد الصاحب
شمس الدين غبريال من
مصر على نظر الدواوين ، وتلقاه أصحابه .
وفي عاشر المحرم يوم الجمعة قرئ كتاب السلطان على السدة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأمراء ، يتضمن إطلاق البواقي من سنة ثمان وتسعين وستمائة إلى آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، فتضاعفت الأدعية للسلطان ، وكان
القارئ جمال الدين بن القلانسي ، ومبلغه
بدر الدين بن صبيح المؤذن ، ثم قرئ في الجمعة الأخرى مرسوم آخر ، فيه الإفراج عن المسجونين ، وأن لا يؤخذ من كل واحد سوى نصف درهم ، ومرسوم آخر فيه إطلاق السخر والقصب وغيره عن الفلاحين ، قرأه
ابن الزملكاني ، وبلغه عنه
أمين الدين محمد بن مؤذن النجيبي . [ ص: 136 ] وفي المحرم استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه
نور الدين عليا البكري ، وهم بقتله ، فشفع فيه الأمراء ، فنفاه ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم ، وكان قد هرب لما طلب من جهة الشيخ تقي الدين
ابن تيمية ، فهرب واختفى ، وشفع فيه أيضا ، ثم لما ظفر به السلطان الآن وأراد قتله شفع فيه الأمراء ، فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى ، وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل ، والجهل الحامل له على هذا وغيره .
وفي يوم الجمعة مستهل صفر قرأ
ابن الزملكاني كتابا سلطانيا على السدة بحضرة نائب السلطان القاضي ، وفيه الأمر بإطلاق ضمان القواسين ، وضمان النبيذ ، وغير ذلك ، فدعا الناس للسلطان .
وفي أواخر ربيع الأول اجتمع القضاة بالجامع للنظر في أمر الشهود ، ونهوهم عن الجلوس في المساجد ، وأن لا يكون أحد منهم في مركزين ، وأن لا يتولوا ثبات الكتب ، ولا يأخذوا أجرا على أداء الشهادة ، وأن لا يغتابوا أحدا ، وأن يتناصفوا في المعيشة ، ثم جلسوا مرة ثانية لذلك ، وتواعدوا ثالثة ، فلم يتفق اجتماعهم ، ولم يقطع أحد من مركزه .
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه عقد مجلس في دار
ابن صصرى لبدر الدين بن بصخان ، وأنكر عليه شيء من القراءات ، فالتزم بترك الإقراء بالكلية ، ثم استأذن بعد أيام في الإقراء ، فأذن له ، فجلس بين الظهر والعصر بالجامع ، وصارت له حلقة على العادة .
[ ص: 137 ] وفي منتصف رجب توفي نائب
حلب الأمير
سيف الدين سودي ، ودفن بتربته ، وولي مكانه الأمير
علاء الدين ألطنبغا الصالحي الحاجب
بمصر قبل هذه النيابة .
وفي تاسع شعبان خلع على الشريف
شرف الدين عدنان بنقابة الأشراف ، بعد والده
أمين الدين جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني ، بحكم وفاة أبيه في الشهر الماضي ، وقد كان رئيسا كبيرا .
وفي خامس شوال دفن الملك
شمس الدين دوباج بن ملكشاه بن رستم صاحب كيلان بتربته المشهورة بسفح
قاسيون ، وكان قد قصد الحج في هذا العام ، فلما كان
بغباغب أدركته منيته يوم السبت السادس والعشرين من رمضان ، فحمل إلى
دمشق ، وصلي عليه ، ودفن في هذه التربة ، اشتريت له وتممت ، وجاءت حسنة ، وهي مشهورة عند المكارية شرقي الجامع المظفري ، وكان له في مملكة
كيلان خمس وعشرين سنة ، وعمر أربعا وخمسين سنة ، وأوصى أن يحج عنه جماعة ، ففعل ذلك . وخرج الركب في ثالث شوال ، وأميره
سيف الدين سنقر الإبراهيمي ، وقاضيه
محيي الدين قاضي الزبداني .
وفي يوم الخميس سابع ذي القعدة قدم القاضي
بدر الدين بن الحداد من
القاهرة متوليا حسبة
دمشق ، فخلع عليه عوضا عن
فخر الدين [ ص: 138 ] سليمان البصراوي ، عزل ، فسافر سريعا إلى البرية ليشتري خيلا للسلطان يقدمها رشوة على المنصب المذكور ، فاتفق موته في البرية في سابع عشر من الشهر المذكور ، وحمل إلى
بصرى ، فدفن بها عند أجداده في ثامن ذي القعدة ، وكان شابا كريم الأخلاق ، حسن الشكل .
وفي أواخره
مسك نائب
صفد بلبان طرنا المنصوري وسجن ، وتولى مكانه
سيف الدين بلبان البدري .
وفي سادس ذي الحجة باشر ولاية البر الأمير
علاء الدين علي بن محمود بن معبد البعلبكي عوضا عن
شرف الدين عيسى بن البرطاسي . وفي يوم عيد الأضحى وصل الأمير
علاء الدين بن صبح من
مصر ، وقد أفرج عنه ، فسلم عليه الأمراء ، وفرحوا به ، وهنئوه بالسلامة . وفي هذا الشهر أعيد أمين الملك إلى نظر النظار
بمصر ، وخلع عليه وعلى الصاحب
ضياء الدين النشائي بنظر الخزانة عوضا عن
سعد الدين حسن بن الأقفهسي .
وفيه وردت البريدية بأمر السلطان للجيوش الشامية بالمسير إلى
حلب ، وأن يكون مقدم العساكر كلها
تنكز نائب
الشام ، وقدم من
مصر ستة آلاف
[ ص: 139 ] مقاتل ، عليهم الأمير
سيف الدين بكتمر الأبوبكري ، وفيهم
قجليس ،
وبدر الدين الوزيري ،
وكشلي ،
وابن طيبرس ،
وساطي ،
وابن سلار ، وغيرهم ، فتقدموا إلى البلاد الحلبية بين يدي نائب
الشام تنكز .