[ ص: 199 ] ثم دخلت
سنة عشرين وسبعمائة
استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها ، وكان السلطان في هذه السنة في الحج ، وعاد إلى
القاهرة يوم السبت ثاني عشر المحرم ، ودقت البشائر ، ورجع الصاحب
شمس الدين على طريق
الشام وفي صحبته الأمير
ناصر الدين الخزندار ، وعاد صاحب
حماة مع السلطان إلى
القاهرة ، وأنعم عليه السلطان ، ولقبه
بالملك المؤيد ، ورسم أن يخطب له على منابر
حماة وأعمالها ، وأن يخاطب بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي ، على ما كان عليه عمه
المنصور .
وفيها
عمر ابن المرجاني شهاب الدين مسجد الخيف ، وأنفق عليه نحوا من عشرين ألفا . وفي المحرم استقال أمين الملك من نظر
طرابلس وأقام
بالقدس .
وفي آخر صفر باشر نيابة الحكم المالكي القاضي
شمس الدين محمد بن أحمد القفصي ، وكان قد قدم مع قاضي القضاة
شرف الدين من
مصر .
وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الأول ضربت عنق شخص يقال له : عبد الله [ ص: 200 ] الرومي ، وكان غلاما لبعض التجار ، وكان قد لزم الجامع ، ثم ادعى النبوة ، فاستتيب ، فلم يرجع ، فضربت عنقه ، وكان أشقر أزرق العينين جاهلا ، وكان قد خالطه شيطان حسن له ذلك ، واضطرب عقله في نفس الأمر ، وهو في نفسه شيطان إنسي .
وفي يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر عقد عقد السلطان على المرأة التي قدمت من
بلاد القبجاق ، وهي من بنات الملوك ، وخلع على القاضي
بدر الدين بن جماعة ، وكاتب السر
وكريم الدين وجماعة الأمراء . ووصلت العساكر في هذا الشهر إلى بلاد
سيس ، وغرق في نهر جاهان من عسكر
طرابلس نحو من ألف فارس ، وجاءت مراسيم السلطان في هذا الشهر إلى
الشام بالاحتياط على أخباز
آل مهنا ، وإخراجهم من بلاد الإسلام ، وذلك لغضب السلطان عليهم لعدم قدوم والدهم
مهنا على السلطان .
وفي يوم الأربعاء رابع عشرين جمادى الأولى درس بالركنية الشيخ
محيي الدين الأسمر الحنفي ، وأخذت منه الجوهرية
لشمس الدين الرقي الأعرج ، وتدريس جامع القلعة
لعماد الدين بن محيي الدين الطرسوسي ، الذي ولي قضاء الحنفية بعد هذا ، وأخذ من الرقي إمامة مسجد نور الدين
بحارة اليهود [ ص: 201 ] لعماد الدين بن الكيال ، وإمامة الربوة للشيخ
محمد الصيني .
وفي جمادى الآخرة اجتمعت الجيوش الإسلامية بأرض
حلب نحوا من عشرين ألفا ، عليهم كلهم نائب
حلب ألطنبغا ، وفيهم نائب
طرابلس شهاب الدين قرطاي ، فدخلوا بلاد الأرمن من
باب إسكندرونة ، ففتحوا
الثغر ، ثم
تل حمدون ، ثم خاضوا جاهان فغرق منهم جماعة ، ثم سلم الله ، ثم وصلوا إلى
سيس فحاصروها ، وضيقوا على أهلها ، وأحرقوا دار الملك التي في البلد ، وقطعوا أشجار البساتين ، وساقوا الأبقار والجواميس والأغنام ، وكذلك فعلوا
بطرسوس ، وخربوا الضياع والأماكن ، وأحرقوا الزروع ، ثم رجعوا فخاضوا النهر المذكور فلم يغرق منهم أحد ، وأخرجوا بعد رجوعهم
مهنا وأولاده من بلادهم ، وساقوا خلفهم إلى
عانة وحديثة ، ثم بلغ الجيوش موت صاحب
سيس وقيام ولده من بعده ، فشنوا الغارات على بلاده وتابعوها ، وغنموا وأسروا وسلموا ، إلا في المرة الرابعة ، فإنه قتل منهم جماعة .
[ ص: 202 ] وفي أوائل هذه السنة كانت
وقعة عظيمة ببلاد المغرب بين المسلمين والفرنج ، فنصر الله المسلمين على أعدائهم ، فقتلوا منهم خمسين ألفا وأكثر ، وأسروا خمسة آلاف ، وكان في جملة القتلى خمسة وعشرون ملكا من ملوك الإفرنج ، وغنموا شيئا كثيرا من الأموال ، يقال : كان من جملة ما غنموا سبعون قنطارا من الذهب والفضة ، وإنما كان جيش الإسلام يومئذ ألفين وخمسمائة فارس غير الرماة ، ولم يقتل منهم سوى أحد عشر قتيلا ، وهذا من غريب ما وقع وعجيب ما سمع .
وفي يوم الخميس ثاني عشرين رجب عقد مجلس بدار السعادة للشيخ
تقي الدين ابن تيمية بحضرة نائب السلطنة ، واجتمع فيه القضاة والمفتون من المذاهب ، وحضر الشيخ ، وعاتبوه على العود إلى الإفتاء بمسألة الطلاق ، ثم حبس الشيخ يومئذ بالقلعة . وبعد ذلك بأربعة أيام أضيف شد الأوقاف إلى الأمير
علاء الدين بن معبد مع ما بيده من ولاية البر ، وعزل
بدر الدين المنكورسي عن الشد .
وفي أواخر شعبان مسك الأمير
علم الدين الجاولي نائب
غزة ، وحمل
[ ص: 203 ] إلى
الإسكندرية ؛ لأنه اتهم بأنه يريد الدخول إلى بلاد
اليمن ، واحتيط على أمواله وحواصله ، وكان له بر وإحسان ومعروف وأوقاف ، وقد بنى
بغزة جامعا حسنا مليحا .
وفي هذا الشهر أراق ملك التتر
بو سعيد الخمور ، وأبطل الخانات ، وأظهر العدل والإحسان إلى الرعايا ، وذلك أنه أصابهم برد عظيم ، وجاءهم سيل هائل ، فلجئوا إلى الله عز وجل ، وابتهلوا إليه فسلموا ، فتابوا وأنابوا ، وعملوا الخير عقيب ذلك .
وفي العشر الأول من شوال جرى الماء بالنهر الكريمي الذي اشتراه
كريم الدين بخمسة وأربعين ألفا ، وأجراه في جدول إلى جامعه
بالقبيبات ، فعاش به الناس ، وحصل به أنس لأهل تلك الناحية ، ونصبت عليه الأشجار والبساتين ، وعمل حوض كبير تجاه الجامع من الغرب يشرب منه الناس والدواب ، وهو حوض كبير ، وعمل مطهرة ، وحصل بذلك نفع كثير ورفق زائد . أثابه الله .
وخرج الركب في حادي عشر شوال وأميره الملك
صلاح الدين بن الأوحد ، وفيه
زين الدين كتبغا الحاجب ، والشيخ
كمال الدين بن الزملكاني ، والقاضي
شمس الدين بن العز ، وقاضي
حماة شرف الدين بن البازري ،
وقطب الدين بن شيخ السلامية ،
وبدر الدين بن العطار ،
وعلاء الدين بن غانم ،
ونور الدين السخاوي ، وهو قاضي الركب ، ومن المصريين قاضي الحنفية
ابن الحريري ، وقاضي الحنابلة
، ومجد الدين حرمي ،
والشرف عيسى المالكي ،
[ ص: 204 ] وهو قاضي الركب . وفيه كملت
عمارة الحمام الذي عمره ألجيبغا غربي دار الطعم ، ودخله الناس .
وفي أواخر ذي الحجة وصل إلى
دمشق من عند ملك التتر الخواجا
مجد الدين إسماعيل بن محمد بن ياقوت السلامي ، وفي صحبته هدايا وتحف لصاحب
مصر من ملك التتر ، واشتهر أنه إنما جاء ليصلح بين المسلمين والتتر ، فتلقاه الجند والدولة ، ونزل بدار السعادة يوما واحدا ، ثم سار إلى
مصر .
وفيها وقف الناس
بعرفات موقفا عظيما لم يعهد مثله ، أتوه من جميع أقطار الأرض ، وكان مع
العراقيين محامل كثيرة ، من جملتها محمل قوم ما عليه من الذهب واللآلئ بألف ألف دينار مصرية ، وهذا أمر عجيب .