[ ص: 206 ] ثم دخلت
سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها . وفي أول يوم منها فتح حمام الزيت الذي في رأس
درب الحجر جدد عمارته رجل سامري بعد ما كان قد درس ودثر من زمان
الخوارزمية من نحو ثمانين سنة ، وهو حمام جيد متسع .
وفي سادس المحرم وصلت هدية من ملك التتار
بو سعيد إلى السلطان صناديق وتحف ودقيق .
وفي يوم عاشوراء خرج الشيخ تقي الدين ابن تيمية من السجن بالقلعة بمرسوم السلطان ، وتوجه إلى داره ، وكانت مدة مقامه بالقلعة خمسة أشهر وثمانية عشر يوما ، رحمه الله .
وفي رابع ربيع الآخر وصل إلى
دمشق القاضي
كريم الدين وكيل السلطان ، فنزل بدار السعادة ، وقدم قاضي القضاة
تقي الدين بن عوض الحاكم الحنبلي
بمصر ، وهو ناظر الخزانة أيضا ، فنزل
بالعادلية الكبيرة التي للشافعية ، فأقام بها أياما ، ثم توجه إلى
مصر جاء في بعض أشغال السلطان وزار
القدس .
وفي هذا الشهر كان السلطان قد حفر بركة قريبا من الميدان ،
[ ص: 207 ] وكان في جوارها كنيسة ، فأمر الوالي بهدمها ، فلما هدمت تسلط الحرافيش وغيرهم على الكنائس
بمصر يهدمون ما قدروا ، عليه فانزعج السلطان من ذلك ، وسأل القضاة : ماذا يجب على من تعاطى ذلك منهم ؟ فقالوا يعذر ، فأخرج جماعة من السجون ممن وجب عليه قتل ، فقطع وصلب وخزم وعاقب موهما أنه إنما عاقب من تعاطى تخريب الكنائس ، فسكن الناس ، وأمنت
النصارى ، وظهروا بعد ما كانوا قد اختفوا أياما .
وفيه ثارت الحرامية
ببغداد ، ونهبوا سوق الثلاثاء وقت الظهر ، فثار الناس وراءهم ، وقتلوا منهم قريبا من مائة ، وأسروا آخرين .
قال الشيخ
علم الدين البرزالي - ومن خطه نقلت - : وفي يوم الأربعاء السادس من جمادى الأولى خرج القضاة ، والأعيان ، والمفتون إلى القابون ، ووقفوا على قبلة الجامع الذي أمر ببنائه القاضي
كريم الدين وكيل السلطان بالمكان المذكور ، وحرروا قبلته ، واتفقوا على أن تكون مثل قبلة جامع
دمشق . وفيه وقعت مراجعة بين الأمير
جوبان أحد المقدمين الكبار
بدمشق وبين نائب السلطنة
تنكز ، فمسك
جوبان ، ورفع إلى القلعة ليلتين ، ثم حول إلى
القاهرة ، فعوتب في ذلك ، ثم أعطي خبزا يليق به .
وذكر الشيخ
علم الدين أن في هذا الشهر وقع
حريق عظيم في القاهرة في
[ ص: 208 ] الدور الحسنة ، والأماكن المليحة المرتفعة ، وبعض المساجد ، وحصل للناس مشقة عظيمة من ذلك ، وقنتوا في الصلوات ، ثم كشفوا عن القضية فإذا هو من فعل
النصارى بسبب ما كان أحرق لهم من كنائسهم وهدم ، فقتل السلطان بعضهم ، وألزم
النصارى أن يلبسوا الزرقة على رءوسهم وثيابهم كلها ، وأن يحملوا الأجراس في الحمامات ، وأن لا يستخدموا في شيء من الجهات ، فسكن الأمر وبطل الحريق .
وفي جمادى الآخرة خرب ملك التتار
بو سعيد البازار ، وزوج الخواطئ ، وأراق الخمور ، وعاقب في ذلك أشد العقوبة ، وفرح المسلمون بذلك ، ودعوا له ، رحمه الله وسامحه .
وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة أقيمت الجمعة بجامع القصب ، وخطب به الشيخ
علي المناخلي . وفي يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الآخرة فتح الحمام الذي أنشأه
تنكز تجاه جامعه ، وأكري في كل يوم بأربعين درهما لحسنه ، وكثرة ضوئه ، ورخامه .
وفي يوم السبت تاسع عشر رجب خربت كنيسة القرائين التي
[ ص: 209 ] تجاه
حارة اليهود ، بعد إثبات كونها محدثة ، وجاءت المراسيم السلطانية بذلك .
وفي أواخر رجب نفذت الهدايا من السلطان إلى
بو سعيد ملك التتر ، صحبة الخواجا
مجد الدين السلامي ، وفيها خمسون جملا وخيول وحمار عتابي .
وفي منتصف رمضان أقيمت الجمعة بالجامع الكريمي بالقابون ، وشهدها يومئذ القضاة ، والصاحب ، وجماعة من الأعيان .
قال الشيخ
علم الدين : وقدم
دمشق الإمام
قوام الدين أمير كاتب بن الأمير العميد عمر الإتقاني الفارابي ، مدرس مشهد الإمام
أبي حنيفة ببغداد ، في أول رمضان ، وقد حج في هذه السنة ، وتوجه إلى
مصر ، وأقام بها أشهرا ، ثم مر
بدمشق متوجها إلى
بغداد ، فنزل بالخاتونية الحنفية ، وهو ذو فنون وبحث وأدب وفقه .
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال ، وأميره
شمس الدين حمزة التركماني ، وقاضيه
نجم الدين الدمشقي . وفي هذه السنة حج
تنكز نائب
الشام وفي صحبته جماعة من أهله ، وقدم من
مصر الأمير
ركن الدين بيبرس الحاجب لينوب عنه في غيبته إلى أن يرجع ، فنزل بالنجيبية البرانية .
[ ص: 210 ] وممن حج فيها الخطيب
جلال الدين القزويني ،
وعز الدين حمزة بن القلانسي ،
وابن العز شمس الدين الحنفي ، والقاضي
جلال الدين بن حسام الدين الحنفي ،
وبهاء الدين ابن عليمة ، والشيخ
علم الدين البرزالي .
ودرس
ابن جماعة بزاوية
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يوم الأربعاء ثامن عشر شوال عوضا عن
شهاب الدين أحمد بن محمد الأنصاري لسوء تصرفه ، وخلع على
ابن جماعة ، وحضر عنده من الأعيان والعامة ما يشابه جميعة الجمعة ، وأشعلت شموع كثيرة فرحا بزوال المعزول .
قال
البرزالي - ومن خطه نقلت - : وفي يوم الأحد سادس عشر شوال ذكر الدرس الإمام العلامة
تقي الدين السبكي ، المحدث بالمدرسة الكهارية عوضا عن
ابن الأنصاري أيضا ، وحضر عنده جماعة منهم
القونوي ، وروى في الدرس حديث المتبايعين بالخيار ، عن قاضي القضاة
ابن جماعة .
وفي شوال عزل
علاء الدين بن معبد عن ولاية البر وشد الأوقاف ، وتولى ولاية الولاة بالبلاد القبلية
بحوران عوضا عن
بكتمر لسفره إلى
الحجاز ، وباشر أخوه
بدر الدين شد الأوقاف ، والأمير
علم الدين الطرقشي ولاية البر مع شد الدواوين ، وتوجه
ابن الأنصاري إلى
حلب متوليا وكالة بيت المال عوضا عن
تاج الدين أخي
شرف الدين يعقوب ناظر
حلب ، بحكم ولاية التاج المذكور
[ ص: 211 ] نظر
الكرك .
وفي يوم عيد الفطر ركب الأمير
تمرتاش بن جوبان نائب
بو سعيد على بلاد الروم من
قيسارية في جيش كثيف من التتار والتركمان والقرمان ، ودخل بلاد
سيس ، فقتل ، وسبى ، وحرق ، وخرب ، وكان قد أرسل لنائب
حلب ألطنبغا ليجهز له جيشا يكون عونا له على ذلك ، فلم يمكنه ذلك بغير مرسوم السلطان .