[ ص: 238 ] ثم دخلت
سنة أربع وعشرين وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها الخليفة
المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله العباسي ، وسلطان البلاد
الملك الناصر ، ونائبه
بمصر سيف الدين أرغون ، ووزيره أمين الملك ، وقضاته
بمصر هم المذكورون في التي قبلها ، ونائبه
بالشام تنكز ، وقضاة
الشام الشافعي
جمال الدين الزرعي ، والحنفي
الصدر علي البصراوي ، والمالكي
شرف الدين الهمداني ، والحنبلي
شمس الدين بن مسلم ، وخطيب الجامع الأموي
جلال الدين القزويني ، ووكيل بيت المال
جمال الدين بن القلانسي ، ومحتسب البلد
فخر الدين ابن شيخ السلامية ، وناظر الدواوين
شمس الدين غبريال ، ومشد الدواوين
علم الدين طرقشي ، وناظر الجيش
قطب الدين ابن شيخ السلامية ومعين الدين بن الحشيش ، وكاتب السر
شهاب الدين محمود ، ونقيب الأشراف
شرف الدين بن عدنان ، وناظر الجامع
بدر الدين بن الحداد ، وناظر الخزانة
عز الدين بن القلانسي ، ووالي البر
علاء الدين بن المرواني ، ووالي
دمشق شهاب الدين بن برق .
وفي خامس عشر ربيع الأول باشر
عز الدين بن القلانسي الحسبة عوضا
[ ص: 239 ] عن
فخر الدين ابن شيخ السلامية ، وباشر
ابن القلانسي الحسبة مع نظر الخزانة .
وفي هذا الشهر حمل
كريم الدين - وكيل السلطان - من
القدس إلى الديار المصرية ، فاعتقل ، ثم أخذت منه أموال وذخائر كثيرة ، ثم نفي إلى
الصعيد ، وأجري عليه نفقات سلطانية له ولمن معه من عياله ، وطلب
كريم الدين الصغير ، وصودر بأموال جمة ، وحبس ثم أطلق .
وفي يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الآخر قرئ كتاب السلطان بالمقصورة من الجامع الأموي بحضرة النائب والقضاة ، يتضمن إطلاق مكس الغلة
بالشام المحروس جميعه ، فكثرت الأدعية للسلطان من الخواص ، والعوام ولله الحمد والمنة .
وقدم البريد إلى نائب
الشام يوم الجمعة خامس عشرين ربيع الآخر بعزل قاضي الشافعية
الزرعي ، فبلغه ذلك فامتنع بنفسه من الحكم ، وأقام
بالعادلية بعد العزل خمسة عشر يوما ، ثم انتقل منها إلى
الأتابكية ، واستمرت بيده مشيخة الشيوخ وتدريس الأتابكية ، واستدعى نائب السلطنة شيخنا الإمام الزاهد
برهان الدين الفزاري ، فعرض عليه القضاء فامتنع ، فألح عليه بكل ممكن فأبى وخرج من عنده ، فأرسل في أثره أعيان الناس إلى المدرسة ، فدخلوا عليه بكل حيلة فامتنع من قبول الولاية ، وصمم أشد التصميم ، جزاه الله خيرا عن مروءته . فلما كان يوم الجمعة قدم البريد من الديار المصرية بطلب الخطيب
جلال الدين القزويني إلى الديار المصرية لتولية قضاء
الشام . وفي هذا اليوم خلع على
الصدر تقي الدين [ ص: 240 ] سليمان بن مراجل بنظر الجامع عوضا عن
بدر الدين بن الحداد ، توفي ، وأخذ من
ابن مراجل نظر
المارستان الصغير لبدر الدين بن العطار .
وخسف القمر ليلة الخميس للنصف من جمادى الآخرة بعد العشاء ، فصلى الخطيب صلاة الكسوف بأربع سور : ق ، واقتربت ، والواقعة ، والقيامة ، ثم صلى العشاء ، ثم خطب بعدها للكسوف ، ثم أصبح فصلى بالناس الصبح ، ثم ركب على البريد إلى
مصر ، فرزق من السلطان قبولا ، وولاه بعد أيام القضاء ، ثم كر راجعا إلى
الشام فدخل
دمشق في خامس رجب على القضاء مع الخطابة ، وتدريس العادلية ، والغزالية ، فباشر ذلك كله ، وأخذت منه الأمينية ، فدرس فيها
جمال الدين بن القلانسي مع وكالة بيت المال ، وأضيف إليه قضاء العساكر ، وخوطب بقاضي القضاة
جلال الدين القزويني .
وفيها قدم ملك
التكرور إلى
القاهرة بسبب الحج في خامس عشرين رجب ، فنزل
بالقرافة ومعه من المغاربة والخدم نحو من عشرين ألفا ، ومعهم ذهب كثير بحيث إنه نزل سعر الذهب درهمين ، ويقال له : الملك الأشرف
موسى بن أبي بكر ، وهو شاب جميل الصورة ، له مملكة متسعة مسيرة ثلاث سنين ، ويذكر أن تحت يده أربعة وعشرين ملكا ، كل ملك تحت يده خلق
[ ص: 241 ] وعساكر ، ولما دخل إلى قلعة الجبل ليسلم على السلطان أمر بتقبيل الأرض ، فامتنع من ذلك ، فأكرمه السلطان ، ولم يمكن من الجلوس أيضا حتى خرج من بين يدي السلطان ، وأحضر له حصان أشهب بزناري أطلس أحمر ، وهيئت له هجن وآلات كثيرة تليق بمثله ، وأرسل هو أيضا إلى السلطان بهدايا كثيرة ، من جملتها أربعون ألف دينار ، وإلى النائب بنحو عشرة آلاف دينار ، وتحف كثيرة .
وفي شعبان ورمضان زاد النيل بمصر زيادة عظيمة لم ير مثلها من نحو مائة سنة أو أزيد منها ، ومكث على الأراضي نحو ثلاثة أشهر ونصف ، وغرق أقصابا كثيرة ، ولكن كان نفعه أعظم من ضرره .
وفي يوم الخميس ثامن عشر شعبان استناب القاضي
جلال الدين القزويني نائبين في الحكم ، وهما
يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي الصالحي ، وقد ولي القضاء فيما بعد ذلك كما سيأتي
، ومحمد بن علي بن إبراهيم المصري ، وحكما يومئذ بالعادلية ، ومن الغد جاء البريد ومعه تقليد قضاء
[ ص: 242 ] حلب للشيخ
كمال الدين بن الزملكاني ، فاستدعاه نائب السلطنة ، وفاوضه في ذلك فامتنع ، فراجعه النائب ثم راجع السلطان ، فجاء البريد في ثاني عشر رمضان بإمضاء الولاية ، فشرع للتأهب لبلاد
حلب ، وتمادى في ذلك حتى كان خروجه إليها في بكرة يوم الخميس رابع عشر شوال ، ودخل يوم الثلاثاء سادس عشرين شوال ، فأكرم إكراما زائدا ، ودرس بها ، وألقى علوما أكبر من تلك البلاد ، وحصل لهم الشرف بفنونه وفوائده ، وحصل
لأهل الشام الأسف على دروسه الأنيقة الفائقة ، وما أحسن ما قال الشاعر ، وهو
شمس الدين محمد الخياط في قصيدة له مطولة ، أولها قوله :
أسفت لفقدك جلق الفيحاء وتباشرت بقدومك الشهباء
وفي ثامن رمضان عزل أمين الملك عن وزارة
مصر ، وأضيفت الوزارة إلى الأمير
علاء الدين مغلطاي الجمالي أستادار السلطان . وفي أواخر رمضان طلب الصاحب
شمس الدين غبريال إلى
القاهرة ، وتولى بها نظر الدواوين عوضا عن
كريم الدين الصغير ، وقدم
كريم الدين المذكور إلى
دمشق مباشرا بها نظر الدواوين ، فقدمها في شوال ، فنزل بدار
العدل من القصاعين .
وولي
سيف الدين قديدار ولاية
مصر ، وهو شهم سفاك للدماء ، فأراق
[ ص: 243 ] الخمور ، وأحرق الحشيشة ، وأمسك الشطار ، واستقامت به أحوال
القاهرة ومصر ، وكان هذا الرجل ملازما
لابن تيمية مدة مقامه
بمصر .
وفي رمضان قدم إلى
مصر الشيخ
نجم الدين عبد الرحيم بن الشحام الموصلي من بلاد السلطان
أزبك ، وعنده فنون من علم الطب وغيره ، ومعه كتاب بالوصية به ، فأعطي تدريس الظاهرية البرانية ، نزل له عنها
جمال الدين بن القلانسي ، فباشرها في مستهل ذي الحجة ، ثم درس بالجاروخية .
وخرج الركب في تاسع شوال وأميره
كوكنجيار المحمدي ، وقاضيه
شهاب الدين الظاهري . وممن خرج إلى الحج
برهان الدين الفزاري ، وشهاب
الدين قرطاي الناصري نائب
طرابلس ، وصاروجا وشهرى وغيرهم .
وفي نصف شوال زاد السلطان في عدة الفقهاء بمدرسته الناصرية ، كان فيها من كل مذهب ثلاثون ثلاثون ، فزادهم إلى أربعة وخمسين من كل مذهب ، وزادهم في الجوامك أيضا .
وفي الثالث والعشرين منه وجد
كريم الدين الكبير وكيل السلطان قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من داخل ، ربط حلقه في حبل ، كان تحت رجليه قفص ، فدفع القفص برجليه ، فمات في مدينة
أسوان ، وستأتي ترجمته .
وفي سابع عشر ذي القعدة زينت
دمشق بسبب عافية السلطان من مرض كان قد أشفى منه على الموت ، وفي ذي القعدة درس
جمال الدين بن القلانسي [ ص: 244 ] بالظاهرية الجوانية عوضا عن
ابن الزملكاني ، سافر على قضاء
حلب ، وحضر عنده القاضي
القزويني .
وجاء كتاب صادق من
بغداد إلى المولى
شمس الدين بن سنان ، يذكر فيه أن الأمير
جوبان أعطى الأمير
محمد حسيناه قدحا فيه خمر ليشربه ، فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، فألح عليه ، وأقسم ، فأبى أشد الإباء ، فقال له : إن لم تشربها كلفتك أن تحمل ثلاثين تومانا ، فقال : نعم ، أحمل ولا أشربها ، فكتب عليه حجة بذلك ، وخرج من عنده إلى أمير آخر يقال له :
يلبى ، فاستقرض منه ذلك المال ؛ ثلاثين تومانا ، فأبى أن يقرضه إلا بربح عشرة توامين ، فاتفقا على ذلك ، فبعث
يلبى إلى
جوبان يقول له : المال الذي طلبته من
حسيناه عندي ، فإن رسمت حملته إلى الخزانة الشريفة ، وإن رسمت تفرقه على الجيش ، فأرسل
جوبان إلى
محمد حسيناه فأحضره عنده فقال له : تزن أربعين تومانا ولا تشرب قدحا من خمر ؟ قال : نعم ، فأعجبه ذلك منه ، ومزق الحجة المكتتبة عليه ، وحظي عنده ، وحكمه في أموره كلها ، وولاه ولايات كبارا ، وحصل
لجوبان إقلاع وإنابة ، ورجوع عن كثير مما كان يتعاطاه ، رحم الله حسيناه .
وفي هذه السنة كانت فتنة
بأصبهان قتل بسببها ألوف من أهلها ، واستمرت
[ ص: 245 ] الحرب بينهم شهورا ، وفيها كان غلاء مفرط
بدمشق ، بلغت الغرارة مائتين وعشرين ، وقلت الأقوات ، ولولا أن الله أقام للناس من يحمل لهم الغلة من
مصر لاشتد الغلاء وزاد أضعاف ذلك ، وكان مات أكثر الناس ، واستمر ذلك مدة شهور من هذه السنة ، وإلى أثناء سنة خمس وعشرين ، حتى قدمت الغلات ، ورخصت الأسعار ، ولله الحمد والمنة .