وممن توفي فيها من الأعيان .
توفي في مستهل المحرم
بدر الدين محمد بن ممدود بن أحمد الحنفي ، قاضي قلعة الروم
بالحجاز الشريف ، وقد كان عبدا صالحا ، حج مرات عديدة ، وربما أحرم من قلعة الروم ، وأحرم من
بيت المقدس ، وصلي عليه
بدمشق صلاة الغائب ، وعلى
شرف الدين بن العز ، وعلى
شرف الدين بن نجيح ، توفوا في أقل من نصف شهر ، كلهم بطريق
الحجاز بعد فراغهم من الحج ، وذلك أنهم غبطوا
ابن نجيح صاحب الشيخ
تقي الدين ابن تيمية بتلك الموتة كما تقدم ، فرزقوها ، فماتوا عقيب عملهم الصالح بعد الحج .
الجهة الكبيرة
خوند بنت نوكاي ، زوجة السلطان الملك الناصر ، وقد
[ ص: 246 ] كانت زوجة أخيه
الملك الأشرف ، ثم هجرها
الناصر وأخرجها من القلعة ، وكانت جنازتها حافلة ، ودفنت بتربتها التي أنشأتها .
الشيخ
محمد بن جعفر بن فرعوش ، ويقال له : اللباد ، ويعرف بالموله ، كان يقرئ الناس بالجامع نحوا من أربعين سنة ، وقد قرأت عليه شيئا من القرآن ، وكان يعلم الصغار الحروف المشقة ، كالراء ونحوها ، وكان متقللا من الدنيا ، لا يقتني شيئا ، وليس له بيت ولا خزانة ، إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع ، توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين ، ودفن في
باب الفراديس ، رحمه الله .
وفي هذا اليوم توفي
بمصر الشيخ
أيوب السعودي ، وقد قارب المائة ، أدرك الشيخ
أبا السعود ، وكانت جنازته مشهودة ، ودفن بتربة شيخه
بالقرافة ، وكتب عنه قاضي القضاة
تقي الدين السبكي في حياته ، وذكر الشيخ
أبو بكر الرحبي أنه لم ير مثل جنازته
بالقاهرة منذ سكنها ، رحمه الله .
الشيخ الإمام الزاهد
نور الدين أبو الحسن علي بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي ، له تصانيف ، وقرأ " مسند الشافعي " على
وزيرة [ ص: 247 ] بنت المنجا ، ثم إنه أقام
بمصر ، وقد كان في جملة من ينكر على
شيخ الإسلام ابن تيمية ، فأراد بعض الدولة قتله ، فهرب واختفى ، كما تقدم لما كان
ابن تيمية مقيما
بمصر ، وما مثاله إلا مثال ساقية ضعيفة كدرة ، لاطمت بحرا عظيما صافيا ، أو رملة أرادت زوال جبل ، وقد أضحك العقلاء عليه ، وقد أراد السلطان قتله ، فشفع فيه بعض الأمراء ، ثم أنكر مرة شيئا على الدولة فنفي من
القاهرة إلى بلدة يقال لها :
دهروط ، فكان بها حتى توفي يوم الاثنين سابع ربيع الآخر ، ودفن
بالقرافة ، وكانت جنازته مشهورة غير مشهودة ، وكان شيخه ينكر عليه إنكاره على
ابن تيمية ، ويقول له : أنت لا تحسن أن تتكلم .
الشيخ
محمد الباجربقي ، الذي تنسب إليه الفرقة الضالة
الباجربقية ، والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وقد كان والده
الشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الموصلي رجلا صالحا من علماء الشافعية ، ودرس في أماكن
بدمشق ، ونشأ ولده هذا بين الفقهاء ، واشتغل بعض شيء ، ثم أقبل على السلوك ، ولازمه جماعة يعتقدون فيه ويزورونه ممن هو
[ ص: 248 ] على طريقته ، وآخرون لا يفهمونه ، ثم حكم القاضي المالكي بإراقة دمه ، فهرب إلى الشرق ، ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود ، فحكم الحنبلي بحقن دمه ، فأقام
بالقابون مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر ، ودفن بالقرب من
مغارة الدم بسفح
قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة ، وله من العمر ستون سنة .
شيخنا القاضي المعمر الفقيه
محيي الدين أبو زكريا يحيى بن الفاضل جمال الدين إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي ، اشتغل على
النواوي ، ولازم
المقدسي ، وولي الحكم
بزرع وغيرها ، ثم قام
بدمشق يشتغل في الجامع ، ودرس في
الصارمية ، وأعاد في مدارس عدة إلى أن توفي في سلخ ربيع الآخر ، ودفن
بقاسيون وقد قارب الثمانين ، رحمه الله ، وسمع كثيرا ، وخرج له الذهبي شيئا ، وسمعنا عليه "
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني " وغيره .
الفقيه الكبير الصدر الإمام العالم الخطيب بالجامع
بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي الحنبلي ، سمع الحديث ، واشتغل ، وحفظ " المحرر " في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وبرع على
ابن [ ص: 249 ] حمدان ، وشرحه عليه في مدة سنين ، وقد كان
ابن حمدان يثني عليه كثيرا وعلى ذهنه وذكائه ، ثم اشتغل بالكتابة ، ولزم خدمة الأمير
قراسنقر بحلب ، فولاه نظر الأوقاف وخطابة
حلب بجامعها الأعظم ، ثم لما صار إلى
دمشق ولاه الخطابة ، فاستمر خطيبا فيها اثنين وأربعين يوما ، ثم أعيد إليها
جلال الدين القزويني ، ثم ولي نظر
المارستان وولي الحسبة ونظر الجامع الأموي ، وعين لقضاء الحنابلة في وقت ، ثم توفي ليلة الأربعاء سابع جمادى الآخرة ، ودفن
بباب الصغير ، رحمه الله .
الكاتب المفيد
قطب الدين أحمد بن مفضل بن فضل الله المصري ، أخو
محيي الدين كاتب تنكز ، ووالد الصاحب
علم الدين كان خبيرا بالكتابة ، وقد ولي استيفاء الأوقاف بعد أخيه ، وكان أسن من أخيه ، وهو الذي علمه صناعة الكتابة وغيرها ، توفي ليلة الاثنين ثاني رجب ، وعمل عزاؤه
بالسميساطية ، وكان مباشر أوقافها .
الأمير الكبير ملك العرب
محمد بن عيسى بن مهنا ، أخو مهنا ، توفي بسلمية يوم السبت سابع رجب ، وقد جاوز الستين ، كان مليح الشكل ، حسن السيرة ، عاقلا عارفا ، رحمه الله تعالى .
وفي هذا الشهر وصل الخبر إلى
دمشق بموت الوزير الكبير
تاج الدين [ ص: 250 ] علي شاه بن أبي بكر التبريزي ، وزير
بو سعيد بعد قتل
سعد الدين الساوي ، وكان شيخا جليلا ، فيه دين وخير ، وحمل إلى
تبريز فدفن بها في الشهر الماضي ، رحمه الله .
الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=15554سيف الدين بكتمر ، والي الولاة ، صاحب الأوقاف في بلدان شتى من ذلك مدرسة
بالصلت ، وله درس بمدرسة
أبي عمر ، وغير ذلك ، توفي
بالإسكندرية وهو نائبها في خامس رمضان ، رحمه الله .
شرف الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العلامة زين الدين بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي ، أخو قاضي القضاة
علاء الدين ، سمع الحديث ، ودرس ، وأفتى ، وصحب الشيخ
تقي الدين ابن تيمية ، وكان فيه دين ، ومودة ، وكرم ، وقضاء حقوق كثيرة ، توفي ليلة الاثنين رابع شوال ، وكان مولده في سنة خمس وسبعين وستمائة ، ودفن بتربتهم
بالصالحية .
الشيخ
حسن الكردي الموله ، كان يخالط النجاسات والقاذورات ويمشي حافيا ، وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات ، ولبعض الناس فيه اعتقادات ، كما هو المعروف من أهل العمى
[ ص: 251 ] والضلالات ، مات في شوال .
كريم الدين الذي كان وكيل السلطان
، عبد الكريم بن العلم هبة الله المسلماني ، حصل له من الأموال ، والتقدم ، والمكانة الخطيرة عند السلطان ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك ، وقد وقف الجامعين
بدمشق أحدهما
بالقبيبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع ، واشترى له نهر ماء بخمسين ألفا ، فانتفع به الناس انتفاعا كثيرا ، ووجدوا رفقا ، والثاني الذي
بالقابون ، وله صدقات كثيرة ، تقبل الله منه وعفا عنه ، وقد مسك في آخر عمره ، فصودر ثم نفي إلى
الشوبك ، ثم إلى
القدس ، ثم
الصعيد ، فخنق نفسه - كما قيل - في عمامته بمدينة
أسوان ، وذلك في الثالث والعشرين من شوال ، وقد كان حسن الشكل ، تام القامة ، ووجد له بعد موته ذخائر كثيرة ، سامحه الله .
الشيخ الإمام العالم
علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار ، شيخ دار الحديث النورية ، ومدرس القوصية بالجامع ، ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل على الشيخ الإمام العالم العلامة
محيي الدين النواوي ، ولازمه حتى كان يقال له : مختصر النواوي ، وله مصنفات ، وفوائد ومجاميع ، وتخاريج ، وباشر مشيخة النورية من سنة
[ ص: 252 ] أربع وتسعين إلى هذه السنة ، مدة ثلاثين سنة ، توفي يوم الاثنين منها مستهل ذي الحجة ، فولي بعده النورية
علم الدين البرزالي ، وتولى القوصية
شهاب الدين بن حرز الله ، وصلي عليه بالجامع ، ودفن
بقاسيون ، رحمه الله تعالى .