[ ص: 253 ] ثم دخلت
سنة خمس وعشرين وسبعمائة
استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها ، وأولها يوم الأربعاء .
وفي خامس صفر منها قدم إلى
دمشق الشيخ
شمس الدين محمود الأصبهاني بعد مرجعه من الحج وزيارة
القدس الشريف ، وهو رجل فاضل له مصنفات منها " شرح مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب " ، و " شرح التجريد " ، وغير ذلك ، ثم إنه شرح " الحاجبية " أيضا ، وجمع تفسيرا بعد صيرورته إلى
مصر ، ولما قدم إلى
دمشق أكرم ، واشتغل عليه الطلبة ، وكان حظيا عند
القاضي جلال الدين القزويني ، ثم إنه ترك الكل ، وصار يتردد إلى الشيخ
تقي الدين ابن تيمية ، وسمع عليه من مصنفاته ، ورده على أهل الكلام ، ولازمه مدة ، فلما مات الشيخ
تقي الدين تحول إلى
مصر وجمع التفسير .
وفي ربيع الأول جرد السلطان تجريدة نحو خمسة آلاف إلى
اليمن صحبة الأمير
ركن الدين بيبرس الحاجب ،
وسيف الدين طينال الحاجب أيضا نجدة لصاحب
اليمن لخروج عمه عليه ، وصحبهم خلق كثير من الحجاج منهم
[ ص: 254 ] الشيخ
فخر الدين النويري .
وفيها منع
شهاب الدين بن مري البعلبكي من الكلام على الناس
بمصر على طريقة الشيخ
تقي الدين ابن تيمية ، وعزره القاضي المالكي بسبب مسألة الاستغاثة ، وحضر المذكور بين يدي السلطان ، وأثنى عليه جماعة من الأمراء ، ثم سفر إلى
الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل ، ثم قدم
دمشق ، وانتزح إلى بلاد الشرق ، وأقام
بسنجار وماردين ومعاملتهما ، يتكلم ويعظ الناس إلى أن مات ، رحمه الله ، كما سنذكره .
وفي ربيع الآخر عاد نائب
الشام من
مصر وقد أكرمه السلطان والأمراء .
وفي جمادى الأولى
وقع بمصر مطر لم يسمع بمثله ، بحيث زاد النيل بسببه أربع أصابع ، وتغير أياما . وفيه
زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد ، وانحصر الناس بها ستة أيام لم تفتح أبوابها ، وبقيت مثل السفينة في وسط البحر ، وغرق خلق كثير من الفلاحين وغيرهم ، وتلف للناس ما لا يعلم قيمته إلا الله عز وجل ، وودع أهل البلد بعضهم بعضا ، ولجئوا إلى الله تعالى ، وحملوا المصاحف على رءوسهم ، وحمل الناس في سد السكور بأنفسهم ، حتى القضاة والأعيان ، وكان وقتا عجيبا ، ثم لطف الله بهم ، فغيض الماء وتناقص ،
[ ص: 255 ] وتراجع الناس إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائزة وغير الجائزة ، وذكر بعضهم أنه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمائة بيت ، وإلى عشرة سنين لا يرجع ما غرق .
وفي أوائل جمادى الآخرة فتح السلطان
خانقاه سرياقوس التي أنشأها ، وساق إليها خليجا ، وبنى عندها محلة ، وحضر بها ومعه القضاة ، والأعيان ، والأمراء ، وغيرهم ، ووليها
مجد الدين الأقصرائي ، وعمل السلطان بها وليمة عظيمة ، وهي في الحقيقة وكيرة ، وسمع على قاضي القضاة
ابن جماعة عشرين حديثا بقراءة ولده
عز الدين بحضرة الدولة منهم أرغون النائب ، وشيخ الشيوخ
القونوي ، وغيرهم ، وخلع
على القارئ عز الدين ، وأثنوا عليه ثناء زائدا ، وأجلس مكرما ، وخلع أيضا على والده
ابن جماعة وعلى المالكي ، وشيخ الشيوخ
، وعلى مجد الدين الأقصرائي شيخ الخانقاه المذكورة ، وغيرهم .
وفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب درس بقبة
المنصورية في الحديث الشيخ
زين الدين بن الكتاني الدمشقي ، بإشارة نائب
الكرك وأرغون ، وحضر عنده الناس ، وكان فقيها جيدا ، وأما الحديث فليس من فنه ولا من شغله .
وفي أواخر رجب قدم الشيخ
زين الدين محمد بن عبد الله بن المرحل من
مصر على تدريس الشامية البرانية ، وكانت بيد
ابن الزملكاني ، فانتقل إلى قضاء
حلب ، فدرس بها في خامس شعبان ، وحضر القاضي الشافعي وجماعة .
[ ص: 256 ] وفي سلخ رجب قدم
القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة من
مصر ومعه ولده ، وفي صحبته الشيخ
جمال الدين الدمياطي وجماعة من الطلبة بسبب سماع الحديث ، فقرأ بنفسه وقرأ الناس له واعتنوا بأمره ، وسمعنا معهم وبقراءته شيئا كثيرا ، نفعهم الله بما قرءوا وبما سمعوا ، ونفع بهم .
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال درس الشيخ
شمس الدين بن الأصبهاني بالرواحية بعد ذهاب
ابن الزملكاني إلى
حلب ، وحضر عنده القضاة والأعيان ، وكان فيهم شيخ الإسلام
ابن تيمية ، وجرى يومئذ بحث في " العام إذا خص " ، وفي " الاستثناء بعد النفي " ، ووقع انتشار ، وطال الكلام في ذلك المجلس ، وتكلم الشيخ
تقي الدين كلاما أبهت الحاضرين .
وتأخر ثبوت عيد الفطر إلى قريب الظهر يوم العيد ، فلما ثبت دقت البشائر ، وصلى الخطيب العيد من الغد بالجامع ، ولم يخرج الناس إلى المصلى ، وتغضب النائب على المؤذنين ، وسجن بعضهم .
وخرج الركب في عاشره ، وأميره
صلاح الدين بن أيبك الطويل ، وفي الركب
صلاح الدين بن الأوحد ،
والمنكورسي ، وقاضيه
شهاب الدين الظاهري .
[ ص: 257 ] وفي سابع عشره درس
بالرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القرمي ، الذي كان قاضي
طرابلس ، قايضه بها
جمال الدين بن الشريشي إلى تدريس المسرورية ، وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية ، فوقف في طريقه قاضي القضاة
جلال الدين ونائباه
ابن جملة ،
والفخر المصري ، وعقد له
nindex.php?page=showalam&ids=12778ولكمال الدين بن الشيرازي مجلسا ، ومعه توقيع بالشامية البرانية ، فعطل الأمر عليهما ؛ لأنهما لم يظهرا استحقاقهما في ذلك المجلس ، فصارت المدرستان العذراوية والشامية
لابن المرحل كما ذكرنا
، وعوض القرمي بالمسرورية ، فقايض منها
لابن الشريشي إلى الرباط الناصري ، فدرس به في هذا اليوم ، وحضر عنده القاضي جلال الدين ، ودرس بعده ابن الشريشي بالمسرورية ، وحضر عنده الناس أيضا .
وفيه عادت التجريدة اليمنية ، وقد فقد منهم خلق كثير من الغلمان وغيرهم ، فحبس مقدمهم الكبير
ركن الدين بيبرس لسوء سيرته فيهم .