وممن توفي فيها من الأعيان : شيخ الإسلام العلامة
تقي الدين ابن تيمية ، كما تقدم ذكر ذلك في الحوادث ، وسنفرد له ترجمة على حدة ، إن شاء الله تعالى .
الشريف العالم الزاهد المحدث
أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن العلوي الحسيني الغرافي الإسكندري الشافعي ، سمع الكثير ، وحفظ " الوجيز " في الفقه ، و " الإيضاح " في النحو ، وكان زاهدا متقللا من الدنيا ، وبلغ تسعين سنة وعقله وعلمه وذهنه ثابت متيقظ ، ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وتوفي يوم الجمعة خامس المحرم ، ودفن
بالإسكندرية بين
[ ص: 305 ] الماوين ، رحمه الله .
الشمس محمد بن عيسى التدمري ، كانت فيه شهامة وصرامة ، وكان يكون بين يدي الشيخ
تقي الدين ابن تيمية كالمنفذ لما يأمر به وينهى عنه ، ويرسله إلى الأمراء وغيرهم في الأمور المهمة ، وله معرفة ومروءة ، يبلغ رسالته على أتم الوجوه ، توفي في الخامس من صفر بالقبيبات ، ودفن عند الجامع الكريمي ، رحمه الله تعالى .
الشيخ الصالح
أبو بكر بن شرف بن محسن بن معن بن عمار الصالحي ، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وسمع الكثير صحبة الشيخ
تقي الدين ابن تيمية والمزي ، وكان ممن يحب الشيخ
تقي الدين ، وكان معهما كالخادم لهما ، وكان فقيرا ذا عيال ، يتناول من الزكاة والصدقات ما يقوم بأوده ، وأقام في آخر عمره
بحمص ، وكان فصيحا مفوها ، له تعاليق وتصانيف في الأصول وغيرها ، وكان له عبادة وفيه خير وصلاح ، وكان يتكلم على الناس بعد صلاة الجمعة إلى العصر من حفظه ، وقد اجتمعت به غير مرة صحبة شيخنا
المزي حين قدم من
حمص ، فكان قوي العبارة فصيحها ، متوسطا في العلم ، له ميل إلى التصوف والكلام في الأحوال ، والأعمال ، والقلوب ، وغير ذلك ، وكان يكثر
[ ص: 306 ] ذكر الشيخ
تقي الدين ابن تيمية ، توفي
بحمص في الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة ، وقد كان الشيخ يحض الناس على الإحسان إليه ، وكان يعطيه ويرفده .
ابن الدواليبي البغدادي ، الشيخ الصالح العالم العابد الرحلة المسند المعمر عفيف الدين ،
أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن بن عبد الغفار البغدادي الأزجي الحنبلي ، المعروف
بابن الدواليبي ، شيخ دار الحديث المستنصرية ، ولد في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وسمع الكثير ، وله إجازات عالية ، واشتغل بحفظ "
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي " ، وكان فاضلا في النحو وغيره ، وله شعر حسن ، وكان رجلا صالحا ، جاوز التسعين ، وصار رحلة
العراق ، وتوفي يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى ، ودفن بمقبرة الإمام
أحمد في مقابر الشهداء ، رحمه الله ، وقد أجازني فيمن أجاز من مشايخ
بغداد ، ولله الحمد .
قاضي القضاة
شمس الدين بن الحريري أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب الأنصاري الحنفي ، ولد سنة ثلاث وخمسين ، وسمع الحديث ، واشتغل ، وقرأ
[ ص: 307 ] " الهداية " ، وكان فقيها جيدا ، ودرس بأماكن كثيرة
بدمشق ، ثم ولي القضاء بها ، ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية ، فباشر بها مدة طويلة ، محفوظ العرض ، لا يقبل من أحد هدية ، ولا تأخذه في الحكم لومة لائم ، وكان يقول : إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن ؟ وقال لبعض أصحابه : أتحب الشيخ تقي الدين ؟ قال : نعم . قال : والله لقد أحببت شيئا مليحا . توفي رحمه الله يوم السبت رابع جمادى الآخرة ودفن بالقرافة ، وكان قد عين لمنصبه
القاضي برهان الدين بن عبد الحق ، فنفذت وصيته بذلك ، وأرسل إليه إلى
دمشق فأحضر ، فباشر الحكم بعده وجميع جهاته .
الشيخ الإمام العالم المقرئ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ الإمام تقي الدين محمد بن جبارة بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المرداوي الحنبلي ، شارح " الشاطبية " ، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ، وسمع الكثير ، وعني بفن القراءات فبرز فيه ، وانتفع الناس به ، وقد أقام
بمصر مدة ، واشتغل بها على
القرافي في أصول الفقه ، وتوفي
بالقدس رابع رجب ، رحمه الله ، كان يعد من الصلحاء الأخيار ، سمع عن خطيب مردى وغيره .
ابن العاقولي البغدادي ، الشيخ الإمام العلامة
جمال الدين أبو محمد [ ص: 308 ] عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي العاقولي ، ثم البغدادي الشافعي ، مدرس المستنصرية مدة طويلة ، نحوا من أربعين سنة ، وباشر نظر الأوقاف ، وعين لقضاء القضاة في وقت ، ولد ليلة الأحد عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وسمع الحديث ، وبرع ، واشتغل ، وأفتى من سنة سبع وخمسين إلى أن مات ، وذلك مدة إحدى وسبعين سنة ، وهذا شيء غريب جدا ، وكان قوي النفس ، له وجاهة في الدولة ، فكم كشف كربة عن الناس بسعيه وقصده ، توفي ليلة الأربعاء رابع عشرين من شوال ، وقد جاوز التسعين سنة ، ودفن بداره ، وقد كان قد أوقفها على شيخ وعشرة صبيان يسمعون القرآن ويحفظونه ، وأوقف عليها أملاكه كلها ، تقبل الله منه ورحمه ، ودرس بعده بالمستنصرية قاضي القضاة قطب الدين .
الشيخ الصالح العالم العابد التاجر البار
شمس الدين محمد بن داود بن محمد بن منتاب السلامي البغدادي ، أحد ذوي اليسار ، وله بر تام بأهل العلم ، ولا سيما أصحاب الشيخ
تقي الدين ، وقد أوقف كتبا كثيرة ، وحج مرات ، توفي ليلة الأحد الرابع والعشرين من ذي القعدة بعد وفاة الشيخ
تقي الدين بأربعة أيام ، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة ، ودفن
بباب الصغير ، رحمه
[ ص: 309 ] الله ، وأكرم مثواه .
وفي هذه الليلة توفيت الوالدة
مريم بنت فرج بن مفرج بن علي ، من قرية كان الوالد خطيبا بها - وهي
مجيدل القرية - سنة ثلاث وسبعمائة ، وصلي عليها بعد الجمعة ، ودفنت بالصوفية شرقي قبر الشيخ
تقي الدين ابن تيمية ، رحمها الله تعالى .