صفحة جزء
ذكر ما يعصم من الدجال فمن ذلك الاستعاذة من فتنته ، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح ، من غير [ ص: 200 ] وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة ، وأنه أمر أمته بذلك أيضا : " اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن فتنة القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال " . وذلك من حديث أنس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، وسعد ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وغيرهم .

قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : والاستعاذة من الدجال متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن ذلك حفظ آيات من سورة الكهف ، كما قال أبو داود : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، حدثنا سالم بن أبي الجعد ، عن معدان ، عن أبي الدرداء ، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " . قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي ، عن قتادة ، إلا أنه قال : " من حفظ من خواتيم سورة الكهف " . وقال شعبة ، عن قتادة : " من آخر الكهف " .

[ ص: 201 ] وقد رواه مسلم من حديث همام ، وهشام ، وشعبة ، عن قتادة ، به ، بألفاظ مختلفة ، وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي بعض رواياته : " الثلاث آيات من أول سورة الكهف " . ورواه أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعفان وعبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة به : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " .

وكذلك رواه عن روح ، عن سعيد ، عن قتادة بمثله ، ورواه عن حسين ، عن شيبان ، عن قتادة كذلك ، وقد رواه عن غندر وحجاج ، عن شعبة ، عن قتادة وقال : " من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " .

ومن ذلك الابتعاد عنه فلا يراه; فإن من رآه افتتن ، كما تقدم في حديث عمران بن حصين : " من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن المؤمن ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه; لما يبعث به من الشبهات " .

[ ص: 202 ] ومما يعصم من فتنة الدجال سكنى المدينة النبوية ومكة ، شرفهما الله تعالى ، فقد روى البخاري ومسلم ، من حديث الإمام مالك ، رضي الله عنه ، عن نعيم المجمر ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " على أنقاب المدينة ملائكة ، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال " .

وقال البخاري : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال; لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان " . وقد روى هذا جماعة من الصحابة منهم; أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وسلمة بن الأكوع ، ومحجن بن الأدرع ، كما تقدم .

وقال الترمذي : حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الدجال المدينة ، فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال ، إن شاء الله " . وأخرجه البخاري عن يحيى بن موسى ، وإسحاق بن أبي عيسى ، عن يزيد بن هارون به ، ثم قال الترمذي : هذا حديث صحيح ، وفي الباب عن أبي هريرة ، وفاطمة بنت قيس ، ومحجن ، وأسامة ، وسمرة بن جندب . وقد ثبت في الصحيح أنه لا يدخل مكة ولا المدينة تمنعه الملائكة; لشرف هاتين [ ص: 203 ] البقعتين ، فهما حرمان آمنان ، وإنما إذا نزل عند سبخة المدينة ترجف بأهلها ثلاث رجفات ، إما حسا ، وإما معنى ، على القولين ، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة ، فيومئذ تنفي المدينة خبثها ، وينصع طيبها ، كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية