أثر آخر من أغرب الآثار عن
كعب الأحبار
قال الحافظ
أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن الحسين البغدادي ، حدثنا
إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14840عبيد الله بن محمد ابن عائشة ، حدثنا
سلم الخواص ، عن
فرات بن السائب ، عن
زاذان ، قال : سمعت
كعب الأحبار يقول : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فنزلت الملائكة ، فصاروا صفوفا ، فيقول الله تعالى : يا
جبريل [ ص: 184 ] ائتني بجهنم . فيأتي بها
جبريل تقاد بسبعين ألف زمام ، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق ، ثم زفرت ثانية ، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه ، ثم زفرت الثالثة ، فتبلغ القلوب الحناجر ، وتذهل العقول ، فيفزع كل امرئ إلى عمله ، حتى إن
إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، يقول : بخلتي لا أسألك إلا نفسي . ويقول
موسى عليه السلام : بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي . وإن
عيسى ، عليه السلام ، ليقول : بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي ، لا أسألك
مريم التي ولدتني .
ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول : أمتي أمتي ، لا أسألك اليوم نفسي ، إنما أسألك أمتي . قال : فيجيبه الجليل جل جلاله : أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فوعزتي وجلالي لأقرن عينك في أمتك . ثم تقف الملائكة بين يدي الله عز وجل ، ينتظرون ما يؤمرون به ، فيقول لهم الرب تعالى وتقدس : معاشر الزبانية ، انطلقوا بالمصرين من أهل الكبائر من أمة
محمد إلى النار ، فقد اشتد غضبي عليهم بتهاونهم بأمري في دار الدنيا ، واستخفافهم بحقي ، وانتهاكهم حرمتي ، يستخفون من الناس ، ويبارزوني بالمعاصي مع كرامتي لهم ، وتفضيلي إياهم على الأمم ، ولم يعرفوا فضلي ، وعظم نعمتي . فعندها تأخذ الزبانية بلحى الرجال ، وذوائب النساء ، فينطلقون بهم إلى النار ، وما من عبد يساق إلى النار من غير هذه الأمة إلا مسودا وجهه ، وقد وضعت الأنكال في قدميه ، والأغلال في عنقه إلا ما كان من هذه الأمة ، فإنهم يساقون بألوانهم ، فإذا وردوا على
مالك قال
[ ص: 185 ] لهم : معاشر الأشقياء ، من أي أمة أنتم ؟ فما ورد علي أحسن وجوها منكم . فيقولون : يا
مالك ، نحن من أمة القرآن . فيقول لهم : معاشر الأشقياء ، أوليس القرآن أنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء : وامحمداه ، يا
محمد ، اشفع لمن آمن بك ممن أمر به إلى النار من أمتك . قال : فينادى
مالك ، بتهدد وانتهار : يا
مالك ، من أمرك بمعاتبة الأشقياء ومحادثتهم ، والتوقف عن إدخالهم العذاب ؟ يا
مالك ، لا تسود وجوههم ، فقد كانوا يسجدون لي بها في دار الدنيا ، يا
مالك لا تغلهم بالأغلال ؟ فقد كانوا يغتسلون من الجنابة ، يا
مالك ، لا تقيدهم بالأنكال ، فقد طافوا حول بيتي الحرام ، يا
مالك لا تلبسهم القطران ؟ فقد خلعوا ثيابهم للإحرام ، يا
مالك ، مر النار لا تحرق ألسنتهم ; فقد كانوا يقرءون القرآن ، يا
مالك ، قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم ، فالنار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من العذاب من الوالدة بولدها . فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته ، ومنهم من تأخذه النار إلى صدره . قال : فإذا انتقم الله منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم فتح بينهم وبين المشركين بابا ، وهم في الطبق الأعلى من النار ، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ، يبكون ويقولون : يا محمداه ، ارحم من أمتك الأشقياء ، واشفع لهم ؟ فقد أكلت النار لحومهم وعظامهم ودماءهم . ثم ينادون : يا رباه ، يا
[ ص: 186 ] سيداه ، ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا ، وإن كان قد أساء وأخطأ وتعدى . فعندها يقول المشركون لهم : ما أغنى عنكم إيمانكم بالله
وبمحمد ؟ ! فيغضب الله لذلك ، فيقول : يا
جبريل ، انطلق ، فأخرج من في النار من أمة
محمد صلى الله عليه وسلم . فيخرجهم ضبائر ، قد امتحشوا ، فيلقيهم في نهر على باب الجنة ، يقال له : نهر الحياة . فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا ، ثم يأمر الله ، عز وجل ، بإدخالهم الجنة ، مكتوب على جباههم : هؤلاء الجهنميون ،
عتقاء الرحمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك ، فيتضرعون إلى الله تعالى أن يمحو عنهم تلك السمة ، فيمحوها الله عنهم ، فلا يعرفون بها بعد ذلك من بين أهل الجنة .
لبعض هذا الأثر شواهد من الأحاديث ، والله أعلم . وسيأتي بعد ذكر أحاديث الشفاعة ذكر آخر من يخرج من النار ، ويدخل الجنة ، إن شاء الله تعالى .