صفحة جزء
فصل في ثمار الجنة

قال الله تعالى : فيها فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن : 68 ] . وقال : فيهما من كل فاكهة زوجان [ الرحمن : 52 ] . وقال : وجنى الجنتين دان [ الرحمن : 54 ] . أي : قريب من المتناول ، كما قال : وذللت قطوفها تذليلا [ الإنسان : 14 ] ، وقال : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة [ ص: 313 ] [ الواقعة : 27 - 33 ] . أي : لا تنقطع أبدا في زمن من الأزمان ، بل هي موجودة في كل أوان وزمان ، كما قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . أي : لا يسقط ورق أشجارها ، أي : ليست كالدنيا التي تأتي ثمارها في بعض الأزمان دون بعض ، ويسقط أوراق أشجارها في بعض الفصول ، وتفقد ثمارها في وقت آخر ، وتكتسي أشجارها الأوراق في وقت وتعرى في آخر ، بل الثمر والظل دائم مستمر ، سهل التناول ، قريب المجتنى ، كما قال : ولا ممنوعة . أي : لا تمتنع ممن أرادها كيف شاء ، وليس دونها حجاب ولا ماء ، بل من أرادها فهي موجودة سهلة قريبة ، حتى ولو كانت الثمرة في أعلى الشجرة فأرادها المؤمن ; تدلت إليه حتى يأخذها ، واقتربت منه ، وتذللت لديه .

قال أبو إسحاق ، عن البراء : وذللت قطوفها . أي : أدنيت حتى يتناولها المؤمن وهو نائم . وقال تعالى : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها [ البقرة : 25 ] . وقال تعالى : وفواكه مما يشتهون [ المرسلات : 42 ] . وقال : يدعون فيها بكل فاكهة آمنين [ الدخان : 55 ] .

وقد سبق فيما أوردناه من الأحاديث أن تربة الجنة مسك وزعفران ، وأن ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب ، فإذا كانت التربة بهذه المثابة ، [ ص: 314 ] والأصول الثابتة فيها من الذهب ، فما الظن بما يتولد بينهما من الثمار الرائقة النضيجة الأنيقة ، التي ليس فيها عجم ، وليس في الدنيا منها إلا الأسماء ، كما قال ابن عباس ، رضي الله عنه : ليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء . وإذا كان السدر الذي في الدنيا ، وهو لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة ، وهى النبق ، وفيه شوك كثير والطلح الذي لا يراد منه إلا الظل في الدنيا ، يكونان في الجنة في غاية كثرة الثمار وحسنها ، حتى إن الثمرة الواحدة منها تتفتق عن سبعين نوعا من الطعوم والألوان ، التي لا يشبه بعضها بعضا - فما الظن بثمار الأشجار التي تكون في الدنيا حسنة الثمار ، طيبة الرائحة ، سهلة التناول ; كالتفاح والمشمش والدراقن والنخل والعنب وغير ذلك; بل ما الظن بأنواع الرياحين والأزاهير! وبالجملة : فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، نسأل الله من فضله .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في حديث صلاة الكسوف ، قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت . فقال : " إني رأيت - أو : أريت - الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " .

[ ص: 315 ] وفي " المسند " من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، فقال : " إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به ، فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض ، لا ينقصونه " .

وفي " صحيح مسلم " من رواية أبي الزبير ، عن جابر شاهد لذلك ، وتقدم في " المسند " عن عتبة بن عبد السلمي ، أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عظم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع يطير ، ولا يفتر " .

وقال الطبراني : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ريحان بن سعيد ، عن عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " . قال الحافظ الضياء : عباد تكلم فيه بعض العلماء .

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا عقبة بن مكرم [ ص: 316 ] العمي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم ابن علية ، حدثنا عوف ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أهبط الله آدم من الجنة علمه صنعة كل شيء ، وزوده من ثمار الجنة ; فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أنها تغير ، وتلك لا تغير " .

التالي السابق


الخدمات العلمية