[ ص: 357 ] ذكر
مهاجرة إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران وهي أرض
مكة وبنائه البيت العتيق
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
عبد الله بن محمد ، حدثنا
عبد الرزاق ، حدثنا
معمر ، عن
أيوب السختياني ،
وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل
أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على
سارة ، ثم جاء بها
إبراهيم وبابنها
إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق
زمزم في أعلى المسجد ، وليس
بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى
إبراهيم منطلقا فتبعته
أم إسماعيل فقالت : يا
إبراهيم أين تذهب ، وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذا لا يضيعنا . ثم رجعت فانطلق
إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال :
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون [
إبراهيم : 37 ] .
[ ص: 358 ] وجعلت
أم إسماعيل ترضع
إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى . أو قال : يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ، ثم أتت
المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات ، قال
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
فذلك سعي الناس بينهما . فلما أشرفت على
المروة سمعت صوتا فقالت : صه . تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث . فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها ، وهو يفور بعد ما تغرف . قال
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم . أو قال :
لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا . قال : فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من
جرهم أو أهل بيت من
جرهم مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا في أسفل
مكة فرأوا طائرا عائفا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء ، لعهدنا بهذا الوادي ،
[ ص: 359 ] وما فيه ماء ، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا قال :
وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : تأذنين لنا أن ننزل عندك . قالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء . قالوا : نعم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم :
فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس . فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت
أم إسماعيل ، فجاء
إبراهيم بعد ما تزوج
إسماعيل يطالع تركته ، فلم يجد
إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا . ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بشر نحن في ضيق وشدة . وشكت إليه ، قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، وقولي له يغير عتبة بابه . فلما جاء
إسماعيل كأنه آنس شيئا ، فقال : هل جاءكم من أحد ؟ فقالت : نعم . جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة . قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم . أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك . قال : ذاك أبي ، وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك . فطلقها وتزوج منهم أخرى ، ولبث عنهم
إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بخير وسعة ، وأثنت على الله ، فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء . قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509771ولم يكن لهم يومئذ حب ، ولو كان لهم [ ص: 360 ] حب لدعا لهم فيه فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه . قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء
إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم . أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير ، قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، هو يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك . قال : ذاك أبي ، وأنت العتبة ، وأمرني أن أمسكك ، ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك
وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من
زمزم ، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ، ثم قال : يا
إسماعيل إن الله أمرني بأمر . قال : فاصنع ما أمرك ربك . قال : وتعينني . قال : وأعينك . قال : فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا . وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها ، قال : فعند ذلك
رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة ، وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني ،
وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان :
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم [ البقرة : 127 ] . قال : وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت ، وهما يقولان :
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
عبد الله بن محمد ، حدثنا
أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، حدثنا
إبراهيم بن نافع ، عن
كثير بن كثير ، عن
[ ص: 361 ] سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : لما كان بين
إبراهيم وأهله ما كان خرج
بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء . وذكر تمامه بنحو ما تقدم ، وهذا الحديث من كلام
ابن عباس ، وموشح برفع بعضه ، وفي بعضه غرابة ، وكأنه مما تلقاه
ابن عباس عن الإسرائيليات ، وفيه أن
إسماعيل كان رضيعا إذ ذاك ، وعند أهل التوراة أن
إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده إسماعيل ، وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم ، وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره ، فيكون عمر
إسماعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة ، وهذا امتثال لأمر الله عز وجل في أهله فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب ؛ ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال ، كما هو مقرر في موضعه .
وقد ثبت في الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، حدثنا
قتيبة بن سعيد ، حدثنا
مغيرة بن عبد الرحمن القرشي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
اختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم . تابعه
عبد الرحمن بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، وتابعه
عجلان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . ورواه
محمد بن عمرو ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وهكذا رواه
مسلم ، عن
قتيبة به . وفي بعض الألفاظ
اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم . والقدوم هو الآلة .
[ ص: 362 ] وقيل : موضع . وهذا اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين والله أعلم لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه ، وليس في هذا السياق ذكر
قصة الذبيح وأنه
إسماعيل ، ولم يذكر في قدمات
إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث مرات ، أولاهن بعد أن تزوج
إسماعيل بعد موت هاجر ، وكيف يتركهم من حين صغر الولد على ما ذكر إلى حين تزويجه لا ينظر في حالهم ؟ وقد ذكر أن الأرض كانت تطوى له . وقيل : إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم ، فكيف يتخلف عن مطالعة حالهم ، وهم في غاية الضرورة الشديدة والحاجة الأكيدة ؟ وكأن بعض هذا السياق متلقى من الإسرائيليات ، ومطرز بشيء من المرفوعات ، ولم يذكر فيه قصة الذبيح ، وقد دللنا على أن الذبيح هو
إسماعيل على الصحيح في سورة الصافات .