صفحة جزء
[ ص: 24 ] فصل في ذكر السرايا والبعوث التي كانت في سنة ست من الهجرة

وتلخيص ذلك ما أورده الحافظ البيهقي ، عن الواقدي قال :

في ربيع الأول منها أو الآخر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن ، في أربعين رجلا إلى غمر مرزوق - ماء لبني أسد - فهربوا منه ، ونزل على مياههم ، وبعث في آثارهم ، وأخذ منهم مائتي بعير ، فاستاقها إلى المدينة .

وفيها كان بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة ، في أربعين رجلا أيضا فساروا ليلتهم مشاة ، حتى أتوها في عماية الصبح ، فهربوا منه في رءوس الجبال ، فأسر منهم رجلا ، فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم .

وبعث محمد بن مسلمة في عشرة نفر ، فكمن القوم لهم حتى ناموا ، فقتل أصحاب محمد بن مسلمة كلهم ، وأفلت هو جريحا . [ ص: 241 ]

وفيها كان بعث زيد بن حارثة بالحموم ، فأصاب امرأة من مزينة ، يقال لها : حليمة . فدلتهم على محلة من محال بني سليم ، فأصابوا منها نعما ، وشاء وأسرى ، وكان فيهم زوج حليمة هذه ، فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها ، وأطلقهما .

وفيها كان بعث زيد بن حارثة أيضا ، في جمادى الأولى إلى بني ثعلبة ، في خمسة عشر رجلا ، فهربت منه الأعراب ، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا ، ثم رجع بعد أربع ليال .

وفيها خرج زيد بن حارثة في جمادى الأولى إلى العيص .

قال : وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع ، فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته ، وقد ذكر ابن إسحاق - كما تقدم - قصته حين أخذت العير التي كانت معه ، وقتل أصحابه ، وفر هو من بينهم حتى قدم المدينة ، وكانت امرأته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هاجرت بعد بدر ، فلما جاء المدينة استجار بها ، فأجارته بعد صلاة الصبح ، فأجاره لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر الناس برد ما أخذوا من عيره ، فردوا كل شيء كانوا أخذوه منه ، حتى لم يفقد منه شيئا ، فلما رجع بها إلى مكة ، وأدى إلى أهلها ما كان لهم معه من الودائع ، أسلم وخرج من مكة راجعا إلى المدينة ، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته زينب بالنكاح الأول ، ولم يحدث نكاحا ولا عقدا ، [ ص: 242 ] كما تقدم بيان ذلك .

وكان بين إسلامه وهجرتها ست سنين ، ويروى سنتان . وقد بينا أنه لا منافاة بين الروايتين ؛ لأن إسلامه تأخر عن وقت تحريم المؤمنات على الكفار بسنتين ، وكان إسلامه في سنة ثمان في سنة الفتح ، لا كما يفهم من كلام الواقدي ، من أنه سنة ست . والله أعلم .

وذكر الواقدي في هذه السنة ، أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من عند قيصر ، وقد أجازه بأموال وخلع ، فلما كان بحسمى لقيه ناس من جذام ، فقطعوا عليه الطريق ، فلم يتركوا معه شيئا ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة أيضا ، رضي الله عنه .

قال الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن يعقوب بن عتبة قال : خرج علي ، رضي الله عنه ، في مائة رجل إلى أن نزل إلى حي من بني سعد بن بكر ، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر فسار إليهم بالليل ، وكمن بالنهار ، وأصاب عينا لهم ، فأقر له أنه بعث إلى خيبر ، يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر [ ص: 243 ] .

قال الواقدي رحمه الله تعالى : وفي سنة ست في شعبان منها ، كانت سرية عبد الرحمن بن عوف ، إلى دومة الجندل ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هم أطاعوا فتزوج بنت ملكهم " . فأسلم القوم ، وتزوج عبد الرحمن بنت ملكهم ؛ تماضر بنت الأصبغ الكلبية ، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

قال الواقدي : في شوال سنة ست كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستاقوا النعم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، في عشرين فارسا ، فردوهم .

فكان من أمرهم ما أخرجه البخاري ومسلم ، من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن رهطا من عكل وعرينة - وفي رواية : من عكل أو عرينة - أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا أناس أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة . فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع ، وأمرهم أن يخرجوا فيها ، فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فانطلقوا ، حتى إذا كانوا ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستاقوا [ ص: 244 ] الذود ، وكفروا بعد إسلامهم ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم ، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم ، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا وهم كذلك . قال قتادة : فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب بعد ذلك حض على الصدقة ، ونهى عن المثلة .

وهذا الحديث قد رواه جماعة عن قتادة ، ورواه جماعة عن أنس بن مالك وفي رواية مسلم ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس أن نفرا من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوه ، وقد وقع في المدينة الموم - وهو البرسام - فقالوا : هذا الوجع قد وقع يا رسول الله ، فلو أذنت لنا فرجعنا إلى الإبل ، قال : " نعم ، فاخرجوا فكونوا فيها " . فخرجوا فقتلوا الراعيين ، وذهبوا بالإبل ، وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين ، فأرسلهم [ ص: 245 ] إليهم ، وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم ، فأتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم .

وفي " صحيح البخاري " من طريق أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، أنه قال : قدم رهط من عكل فأسلموا ، واجتووا المدينة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال : " الحقوا بالإبل ، واشربوا من أبوالها وألبانها " . قال : فذهبوا فكانوا فيها ما شاء الله ، فقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل ، فجاء الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في طلبهم ، فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم ، فأمر بمسامير فأحميت فكواهم بها ، وقطع أيديهم وأرجلهم ، وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون ، حتى ماتوا ولم يحسمهم . وفي رواية عن أنس ، قال : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش . قال أبو قلابة : فهؤلاء قتلوا ، وسرقوا ، وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد روى البيهقي من طريق عثمان بن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن [ ص: 246 ] بن سليمان ، عن محمد بن عبيد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث في آثارهم قال : " اللهم عم عليهم الطريق ، واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل " . قال : فعمى الله عليهم السبيل فأدركوا ، فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم وفي " صحيح مسلم " : إنما سملهم ؛ لأنهم سملوا أعين الرعاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية