[ ص: 296 ] فصل في
فتح حصونها وقسم أرضها
قال
الواقدي : لما تحولت
اليهود من حصن
ناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى
قلعة الزبير ، حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ، فجاء رجل من
اليهود يقال له :
غزال . فقال : يا
أبا القاسم ، تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة ، وتخرج إلى أهل الشق ، فإن أهل الشق قد هلكوا رعبا منك ؟ قال : فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله ، فقال له اليهودي : إنك لو أقمت شهرا تحاصرهم ما بالوا بك ، إن لهم تحت الأرض دبولا يخرجون بالليل فيشربون منها ، ثم يرجعون إلى قلعتهم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع دبولهم ، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال ، وقتل من المسلمين يومئذ نفر ، وأصيب من
اليهود عشرة ، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان آخر حصون النطاة ، وتحول إلى الشق ، وكان به حصون ذوات عدد ، فكان أول حصن بدأ به منها
حصن أبي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلعة يقال لها :
سموان .
[ ص: 297 ] فقاتل عليها أهل الحصن أشد القتال ، فخرج منهم رجل يقال له :
عزول ، فدعا إلى البراز ، فبرز إليه
الحباب بن المنذر ، فقطع يده اليمنى من نصف ذراعه ، ووقع السيف من يده ، وفر اليهودي راجعا ، فاتبعه
الحباب فقطع عرقوبه ، وبرز منهم آخر ، فقام إليه رجل من المسلمين ، فقتله اليهودي فنهض إليه
أبو دجانة فقتله وأخذ سلبه ، وأحجموا عن البراز ، فكبر المسلمون ، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه ، وأمامهم
أبو دجانة ، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما ، وهرب من كان فيه من المقاتلة ، وتقحموا الجدر كأنهم الظباء ، حتى صاروا إلى
حصن النزار بالشق ، وتمنعوا أشد الامتناع ، فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فتراموا ، ورمى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة ، حتى أصاب نبلهم ثيابه ، عليه الصلاة والسلام . فأخذ عليه السلام كفا من الحصا فرمى حصنهم بها ، فرجف بهم حتى ساخ في الأرض ، وأخذهم المسلمون أخذا باليد .
قال
الواقدي : ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح
[ ص: 298 ] والسلالم ؛ حصني بني
أبي الحقيق ، وتحصنوا أشد التحصن ، وجاء إليهم كل فل كان قد انهزم من النطاة والشق ، فتحصنوا معهم في
القموص - وهو في
الكتيبة ، وكان حصنا منيعا - وفي
الوطيح والسلالم ، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم ، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم ، فلما أيقنوا بالهلكة - وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوما - نزل إليه
ابن أبي الحقيق ، فصالحه على حقن دمائهم ويسيرهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من الأرض ، والأموال ، والصفراء والبيضاء ، والكراع والحلقة ، وعلى البز ، إلا ما كان على ظهر الإنسان ، يعني لباسهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتم شيئا " . فصالحوه على ذلك .
قلت : ولهذا لما كتموا وكذبوا وأخفوا ذلك المسك الذي كان فيه أموال جزيلة ، تبين أنه لا عهد لهم ، فقتل
ابن أبي الحقيق وطائفة من أهله ، بسبب نقض العهود منهم والمواثيق .
[ ص: 299 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933الحافظ البيهقي : حدثني
أبو الحسن علي بن محمد المقرئ الإسفراييني ، حدثنا
الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا
يوسف بن يعقوب ، حدثنا
عبد الواحد بن غياث ، حدثنا
حماد بن سلمة ، حدثنا
عبيد الله بن عمر - فيما يحسب
أبو سلمة - عن
نافع ، عن
ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل
خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الأرض والزرع والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، ويخرجون منها ، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ، فغيبوا مسكا فيه مال وحلي
لحيي بن أخطب ، وكان احتمله معه إلى
خيبر حين أجليت
النضير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم
حيي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510593ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ " فقال : أذهبته النفقات والحروب . فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510594العهد قريب والمال أكثر من ذلك " . فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الزبير ، فمسه بعذاب ، وقد كان
حيي قبل ذلك دخل خربة ، فقال : قد رأيت
حييا يطوف في خربة هاهنا . فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة ، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني
أبي الحقيق - وأحدهما زوج
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بن أخطب - وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا ، وأراد إجلاءهم منها ، فقالوا : يا
محمد ، دعنا
[ ص: 300 ] نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها ، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها ، فأعطاهم
خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان
عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم ، ثم يضمنهم الشطر ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه ، وأرادوا أن يرشوه ، فقال : يا أعداء الله ، تطعموني السحت ، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم . فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض . قال : فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين
صفية خضرة ، فقال : " يا
صفية ، ما هذه الخضرة ؟ " فقالت : كان رأسي في حجر
ابن أبي الحقيق وأنا نائمة ، فرأيت كأن قمرا وقع في حجري ، فأخبرته بذلك فلطمني ، وقال : تتمنين ملك يثرب ؟! قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي ؛ قتل زوجي وأبي ، فما زال يعتذر إلي ويقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510595إن أباك ألب علي العرب " وفعل وفعل ، حتى ذهب ذلك من نفسي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام ، وعشرين وسقا من شعير ، فلما كان في زمان
عمر غشوا المسلمين ، وألقوا
ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ،
[ ص: 301 ] فقال
عمر : من كان له سهم
بخيبر فليحضر حتى نقسمها . فقسمها بينهم . فقال رئيسهم : لا تخرجنا ، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر . فقال
عمر لرئيسهم : أتراني سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510596كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما؟ " وقسمها
عمر بين من كان شهد
خيبر من أهل الحديبية . وقد رواه
أبو داود مختصرا من حديث
حماد بن سلمة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : علقه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " كتابه " فقال : ورواه
حماد بن سلمة قلت : ولم أره في " الأطراف " . فالله أعلم .
وقال
أبو داود : وحدثني
سليمان بن داود المهري ، حدثنا
ابن وهب ، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12308أسامة بن زيد الليثي ، عن
نافع ، عن
عبد الله بن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510597لما فتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم ، على أن يعملوا على النصف مما [ ص: 302 ] خرج منها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقركم فيها على ذلك ما شئنا " . فكانوا على ذلك ، وكان التمر يقسم على السهمان من نصف
خيبر ، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس ، وكان أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق من تمر ، وعشرين وسقا من شعير ، فلما أراد
عمر إخراج
اليهود ، أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهن : من أحب منكن أن أقسم لها نخلا بخرصها مائة وسق ، فيكون لها أصلها وأرضها وماؤها ، ومن الزرع مزرعة عشرين وسقا من شعير فعلنا ، ومن أحب أن نعزل الذي لها في الخمس كما هو فعلنا .
وقد روى
أبو داود من حديث
محمد بن إسحاق ، حدثني
نافع ، عن
عبد الله بن عمر ، أن
عمر قال : أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل
يهود خيبر على أن يخرجهم إذا شاء ، فمن كان له مال فليلحق به ، فإني مخرج
يهود . فأخرجهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
يحيى بن بكير ، حدثنا
الليث ، عن
يونس ، عن
ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن
جبير بن مطعم أخبره قال :
مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ، ونحن وهم بمنزلة واحدة منك . فقال : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " . قال
جبير بن مطعم : ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم
لبني [ ص: 303 ] عبد شمس وبني نوفل شيئا . تفرد به دون
مسلم . وفي لفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510598إن بني هاشم وبني عبد المطلب شيء واحد ، إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : دخلوا معهم في الشعب ، وناصروهم في إسلامهم وجاهليتهم .
قلت : وقد ذم
أبو طالب بني عبد شمس وبني نوفل حيث يقول :
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا عقوبة شر عاجلا غير آجل
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
الحسن بن إسحاق ، ثنا
محمد بن سابق ، ثنا
زائدة ، عن
عبيد الله بن عمر ، عن
نافع ، عن
ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510599قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما . قال : فسره
نافع فقال : إذا كان مع الرجل فرس ، فله ثلاثة أسهم ، وإن لم يكن معه فرس ، فله سهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15974سعيد بن أبي مريم ، ثنا
محمد بن جعفر ، أخبرني
زيد ، عن أبيه ، أنه سمع
عمر بن الخطاب يقول : أما والذي نفسي بيده ، لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء ، ما فتحت علي قرية إلا قسمتها
[ ص: 304 ] كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها . وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا من حديث
مالك ، وأبو داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، عن
ابن مهدي ، عن
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن
عمر به . وهذا السياق يقتضي أن خيبر بكمالها قسمت بين الغانمين .
وقد قال
أبو داود : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12752ابن السرح ، أنبأنا
ابن وهب أخبرني
يونس ، عن
ابن شهاب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510600بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال . وبهذا قال
الزهري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510601خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها .
وفيما قاله
الزهري نظر ، فإن الصحيح أن خيبر جميعها لم تقسم ، وإنما قسم نصفها بين الغانمين كما سيأتي بيانه ، وقد احتج بهذا
مالك ومن تابعه على أن الإمام مخير في
الأراضي المغنومة ، إن شاء قسمها ، وإن شاء أرصدها
[ ص: 305 ] لمصالح المسلمين ، وإن شاء قسم بعضها وأرصد بعضها لما ينوبه في الحاجات والمصالح .
قال
أبو داود : حدثنا
الربيع بن سليمان المؤذن ، ثنا
أسد بن موسى ، حدثنا
يحيى بن زكريا ، حدثني
سفيان ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
بشير بن يسار ، عن
سهل بن أبي حثمة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510602قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين ، نصفا لنوائبه وحاجته ، ونصفا بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما . تفرد به
أبو داود . ثم رواه
أبو داود من حديث
بشير بن يسار مرسلا ، فعين نصف النوائب ، الوطيح والكتيبة والسلالم وما حيز معها ، ونصف المسلمين ، الشق والنطاة وما حيز معهما ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حيز معهما .
وقال أيضا : حدثنا
حسين بن علي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17011محمد بن فضيل ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار ، مولى الأنصار ، عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510603لما ظهر على خيبر فقسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك وعزل النصف الثاني لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس . تفرد به
أبو داود .
[ ص: 306 ]
قال
أبو داود : حدثنا
محمد بن عيسى ، ثنا
مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري ، سمعت أبي
يعقوب بن مجمع يقول ، عن عمه
عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري ، عن عمه
مجمع بن جارية الأنصاري - وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن - قال : قسمت خيبر على أهل الحديبية ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، فيهم ثلاثمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما . تفرد به
أبو داود .
وقال
مالك : عن
الزهري ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح بعض خيبر عنوة . رواه
أبو داود . ثم قال
أبو داود : قرئ على
nindex.php?page=showalam&ids=14061الحارث بن مسكين وأنا شاهد ، أخبركم
ابن وهب ، حدثني
مالك بن أنس ، عن
ابن شهاب أن خيبر بعضها كان عنوة ، وبعضها صلحا ، والكتيبة أكثرها عنوة ، وفيها صلح . قلت
لمالك : وما الكتيبة؟ قال : أرض خيبر ، وهي أربعون ألف عذق . قال
أبو داود : والعذق : النخلة . والعذق : العرجون .
ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، ثنا
حرمي ، ثنا
شعبة ، ثنا
[ ص: 307 ] عمارة ، عن
عكرمة ، عن
عائشة قالت : لما فتحت
خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر .
حدثنا
الحسن ، ثنا
قرة بن حبيب ، ثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن
ابن عمر قال : ما شبعنا - يعني من التمر - حتى فتحنا خيبر .
وقال
محمد بن إسحاق : كانت الشق والنطاة في سهمان المسلمين ، الشق ثلاثة عشر سهما ، ونطاة خمسة أسهم ، قسم الجميع على ألف وثمانمائة سهم ، ودفع ذلك إلى من شهد الحديبية ، من حضر خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، فضرب له بسهمه . قال : وكان أهل الحديبية ألفا وأربعمائة ، وكان معهم مائتا فرس ، لكل فرس سهمان ، فصرف إلى كل مائة رجل سهم من ثمانية عشر سهما ، وزيد المائتا فارس أربعمائة سهم لخيولهم .
وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق
سفيان بن عيينة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
صالح بن كيسان أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، ومائتا فرس .
قلت : وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهم ، وكان أول سهم من سهمان الشق مع
عاصم بن عدي .
قال
ابن إسحاق : وكانت الكتيبة خمسا لله تعالى ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وطعمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وطعمة أقوام مشوا في صلح أهل فدك ، منهم
محيصة بن مسعود ، أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقا من تمر ، وثلاثين وسقا من شعير . قال : وكان وادياها اللذان قسمت عليه يقال لهما : وادي السرير ووادي خاص . ثم ذكر
ابن إسحاق تفاصيل الإقطاعات منها فأجاد وأفاد ، رحمه الله .
قال : وكان الذي ولي قسمتها وحسابها
جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو
بني سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، رضي الله عنهما .
قلت : وكان الأمير على خرص نخيل خيبر
عبد الله بن رواحة ، فخرصها سنتين ، ثم لما قتل ، رضي الله عنه - كما سيأتي في يوم مؤتة - ولي بعده
جبار بن صخر ، رضي الله عنه .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
إسماعيل ، حدثني
مالك ، عن
عبد المجيد بن سهيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر ، فجاء بتمر جنيب ، فقال رسول الله [ ص: 309 ] صلى الله عليه وسلم : " كل تمر خيبر هكذا؟ " قال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة . فقال : " لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وقال
الدراوردي ، عن
عبد المجيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن
أبا سعيد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا
بني عدي من
الأنصار إلى خيبر وأمره عليها . وعن
عبد المجيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12045أبي صالح السمان ، عن
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة مثله .
قلت : كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصاب مع المسلمين مما قسم بخيبر وفدك بكمالها - وهي طائفة كبيرة من أرض
خيبر نزلوا من شدة رعبهم منه ، صلوات الله وسلامه عليه فصالحوه - وأموال
بني النضير ، المتقدم ذكرها ، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت هذه الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة ، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله ، يصرفه في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين ، فلما مات ، صلوات الله وسلامه عليه ، اعتقدت
فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - أو أكثرهن - أن هذه الأراضي تكون موروثة عنه ، ولم يبلغهن ما ثبت عنه من قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة " . ولما طلبت
فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم
والعباس نصيبهم من ذلك ، وسألوا
الصديق أن يسلمه
[ ص: 310 ] إليهم ، ذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510604 " لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " . وقال : أنا أعول من كان يعول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي . وصدق ، رضي الله عنه وأرضاه ، فإنه البار الراشد في ذلك ، التابع للحق ، وطلب
العباس وعلي - على لسان
فاطمة ، إذ قد فاتهم الميراث - أن ينظرا في هذه الصدقة ، وأن يصرفا ذلك في المصارف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها ، فأبى عليهم
الصديق ذلك ، ورأى أن حقا عليه أن يقوم فيما كان يقوم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يخرج من مسلكه ولا عن سننه . فتغضبت
فاطمة ، رضي الله عنها ، عليه في ذلك ، ووجدت في نفسها بعض الموجدة ، ولم يكن لها ذلك ،
والصديق من قد عرفت هي والمسلمون محله ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيامه في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته ، فجزاه الله عن نبيه وعن الإسلام وأهله خيرا ، وتوفيت
فاطمة ، رضي الله عنها ، بعد ستة أشهر ، ثم جدد
علي البيعة بعد ذلك ، فلما كان أيام
عمر بن الخطاب ، سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة إلى
علي ، والعباس ، وثقلوا عليه بجماعة من سادات الصحابة ، ففعل
عمر ، رضي الله عنه ذلك ، وذلك لكثرة أشغاله واتساع مملكته وامتداد رعيته ، فتغلب على
علي عمه
العباس فيها ، ثم تساوقا يختصمان إلى
عمر ، وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة ، وسألا منه أن يقسمها بينهما ، فينظر كل منهما فيما لا ينظر فيه الآخر . فامتنع
عمر من ذلك أشد الامتناع ، وخشي أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة المواريث ، وقال : انظرا فيها وأنتما جميع ، فإن عجزتما
[ ص: 311 ] عنها فادفعاها إلي ، والذي تقوم السماء والأرض بأمره لا أقضي فيها قضاء غير هذا . فاستمرا فيها ، ومن بعدهما من ولدهما إلى أيام
بني العباس ، تصرف في المصارف التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها ، أموال
بني النضير وفدك ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر .