[ ص: 204 ] قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من سنة تسع .
تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ارتحل عن
ثقيف سئل أن يدعو عليهم فدعا لهم بالهداية ، وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم
مالك بن عوف النصري أنعم عليه وأعطاه ، وجعله أميرا على من أسلم من قومه ، فكان يغزو بلاد
ثقيف ويضيق عليهم ، حتى ألجأهم إلى الدخول في الإسلام ، وتقدم أيضا فيما رواه
أبو داود عن
صخر بن العيلة الأحمسي أنه لم يزل
بثقيف حتى أنزلهم من حصنهم على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل بهم إلى
المدينة النبوية بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في ذلك .
قال
ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة من
تبوك في رمضان ، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد
ثقيف ، وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم ، اتبع أثره
عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل إلى
المدينة فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله - كما يتحدث قومه - : " إنهم قاتلوك " . وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع ; للذي كان منهم ، فقال
عروة : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم . وكان فيهم
[ ص: 205 ] كذلك محببا مطاعا ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام ، رجاء أن لا يخالفوه ; لمنزلته فيهم ، فلما أشرف على علية له ، وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه ، رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله ، فيزعم
بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له :
أوس بن عوف . أخو
بني سالم بن مالك ، وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من
بني عتاب يقال له :
وهب بن جابر . فقيل
لعروة : ما ترى في دمك ؟ قال : كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم . فدفنوه معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه :
" إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه " وهكذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة قصة
عروة ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة
أبي بكر الصديق وتابعه
nindex.php?page=showalam&ids=13933أبو بكر البيهقي في ذلك وهذا بعيد ، والصحيح أن ذلك قبل حجة
أبي بكر كما ذكره
ابن إسحاق والله أعلم .
قال
ابن إسحاق : ثم أقامت
ثقيف بعد قتل
عروة أشهرا ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا ، فائتمروا فيما بينهم ، وذلك عن رأي
عمرو بن أمية أخي
بني علاج ، فائتمروا بينهم ، ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلا منهم ، فأرسلوا
عبد ياليل بن عمرو بن [ ص: 206 ] عمير ومعه اثنان من الأحلاف وثلاثة من
بني مالك ، وهم ;
الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف أخو
بني سالم ، ونمير بن خرشة بن ربيعة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة كانوا بضعة عشر رجلا فيهم
كنانة بن عبد ياليل وهو رئيسهم ، وفيهم
عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد .
قال
ابن إسحاق : فلما دنوا من
المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا
المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهم ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم ، فلقيه
أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب
ثقيف أنهم قدموا يريدون البيعة والإسلام بأن يشرط لهم رسول الله شروطا ، ويكتتبوا كتابا في قومهم ، فقال
أبو بكر للمغيرة : أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه . ففعل
المغيرة فدخل
أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم ، ثم خرج
المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم ، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ، ولما قدموا على رسول الله ضربت عليهم قبة في المسجد ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله ، فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل
خالد بن سعيد قبلهم ، وهو الذي كتب لهم كتابهم . قال : وكان مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية - وهي اللات - ثلاث سنين ، فما برحوا
[ ص: 207 ] يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم ، فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى إلا أن يبعث معهم
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب والمغيرة ليهدماها ، وسألوه مع ذلك أن لا يصلوا وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم ، فقال : "
أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك ، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه " . فقالوا : سنؤتيكها وإن كانت دناءة .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عفان ثنا
حماد بن سلمة عن
حميد عن
الحسن عن
عثمان بن أبي العاص nindex.php?page=hadith&LINKID=3510937أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فاشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا ولا يستعمل عليهم غيرهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا يستعمل عليكم غيركم ولا خير في دين لا ركوع فيه " . وقال عثمان بن أبي العاص : يا رسول الله ، علمني القرآن واجعلني إمام قومي . وقد رواه
أبو داود من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي عن
حماد بن سلمة عن
حميد به .
[ ص: 208 ] وقال
أبو داود : حدثنا
الحسن بن الصباح ثنا
إسماعيل بن عبد الكريم حدثني
إبراهيم بن معقل بن منبه عن أبيه ، عن
وهب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510938سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت ، قال : اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد ، وأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك : " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " . .
قال
ابن إسحاق : فلما أسلموا وكتب لهم كتابهم أمر عليهم
عثمان بن أبي العاص - وكان أحدثهم سنا - لأن
الصديق قال : يا رسول الله ، إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا
عثمان بن أبي العاص في رحالهم ، فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن ، فإن وجده نائما ذهب إلى
أبي بكر الصديق فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام ، وأحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا .
قال
ابن إسحاق : حدثني
سعيد بن أبي هند عن
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله بن الشخير عن
عثمان بن أبي العاص قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510939كان من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى ثقيف أن قال : " يا عثمان تجوز في الصلاة ، واقدر [ ص: 209 ] الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة " . .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عفان حدثنا
حماد بن سلمة أخبرنا
سعيد الجريري عن
أبي العلاء عن
مطرف عن
عثمان بن أبي العاص قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510940قلت : يا رسول الله اجعلني إمام قومي . قال : " أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم ، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " . رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
حماد بن سلمة به . ورواه
ابن ماجه عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن
إسماعيل بن علية عن
محمد بن إسحاق كما تقدم .
وروى
أحمد عن
عفان عن
وهيب وعن
معاوية بن عمرو عن
زائدة كلاهما عن
عبد الله بن عثمان بن خثيم عن
داود بن أبي عاصم nindex.php?page=hadith&LINKID=3510941عن عثمان بن أبي العاص أن آخر ما فارقه رسول الله حين استعمله على الطائف أن قال : " إذا صليت بقوم فخفف بهم " . حتى وقت لي اقرأ باسم ربك الذي خلق ( العلق : 1 ) وأشباهها من القرآن .
وقال
أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر حدثنا
شعبة عن
عمرو بن مرة سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510942حدث عثمان بن أبي العاص قال : آخر ما عهد [ ص: 210 ] إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : " إذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة " . ورواه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن مثنى nindex.php?page=showalam&ids=15573وبندار كلاهما عن
محمد بن جعفر غندر به .
وقال
أحمد : حدثنا
أبو أحمد الزبيري ثنا
عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن
عبد الله بن الحكم أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510943سمع عثمان بن أبي العاص يقول : استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، فكان آخر ما عهده إلي أن قال : " خفف عن الناس الصلاة " . تفرد به من هذا الوجه .
وقال
أحمد : حدثنا
يحيى بن سعيد أخبرنا
عمرو بن عثمان حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى - هو ابن طلحة - أن
عثمان بن أبي العاص حدثه
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510944أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤم قومه ، ثم قال : " من أم قوما فليخفف بهم ، فإن فيهم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة ، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء " . ورواه
مسلم من حديث
عمرو بن عثمان به .
وقال
أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر حدثنا
شعبة عن
النعمان بن سالم سمعت أشياخا من
ثقيف قالوا : حدثنا
عثمان بن أبي العاص أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510945قال [ ص: 211 ] لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أم قومك ، وإذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة ; فإنه يقوم فيها الصغير والكبير والضعيف والمريض وذو الحاجة " . .
وقال
أحمد : حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم عن
الجريري عن
أبي العلاء بن الشخير nindex.php?page=hadith&LINKID=3510946أن عثمان قال : يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي . قال : ذاك شيطان يقال له : خنزب . فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا " . قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . ورواه
مسلم من حديث
سعيد الجريري به .
وروى
مالك وأحمد ومسلم وأهل السنن من طرق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17193نافع بن جبير بن مطعم عن
عثمان بن أبي العاص nindex.php?page=hadith&LINKID=3510947أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده ، فقال له : " ضع يدك على الذي تألم من جسدك ، وقل : بسم الله . ثلاثا ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " . وفي بعض الروايات
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510948ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان بي ، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم . .
وقال
أبو عبد الله بن ماجه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ثنا
محمد بن [ ص: 212 ] عبد الله الأنصاري حدثني
عيينة بن عبد الرحمن - وهو ابن جوشن - حدثني أبي ، عن
عثمان بن أبي العاص قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510949لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي ، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ابن أبي العاص ؟ " قلت : نعم يا رسول الله . قال : " ما جاء بك ؟ " قلت : يا رسول الله ، عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي . قال : " ذاك الشيطان ، ادنه " . فدنوت منه فجلست على صدور قدمي . قال : فضرب صدري بيده وتفل في فمي ، وقال : " اخرج عدو الله " . ففعل ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : " الحق بعملك " . قال : فقال عثمان : فلعمري ما أحسبه خالطني بعد . تفرد به
ابن ماجه .
قال
ابن إسحاق : وحدثني
عيسى بن عبد الله عن
عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال :
كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا ، فيأتينا بالسحور ، فإنا لنقول : إنا لنرى الفجر قد طلع . فيقول : قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر لتأخير السحور . ويأتينا بفطرنا ، وإنا لنقول : ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد . فيقول : ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث
عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن
عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده
أوس بن [ ص: 213 ] حذيفة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510951قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف . قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له ، كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه ، حتى يراوح بين رجليه من طول القيام ، فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش ، ثم يقول : " لا أنسى وكنا مستضعفين مستذلين بمكة ، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ، ندال عليهم ويدالون علينا " . فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلنا : لقد أبطأت عنا الليلة . فقال : " إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أجيء حتى أتمه " . قال أوس : سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده . لفظ
أبي داود .
قال
ابن إسحاق : فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين ،
[ ص: 214 ] بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية ، فخرجا مع القوم ، حتى إذا قدموا
الطائف أراد
المغيرة أن يقدم
أبا سفيان فأبى ذلك عليه
أبو سفيان وقال : ادخل أنت على قومك . وأقام
أبو سفيان بماله بذي الهرم ، فلما دخل
المغيرة علاها يضربها بالمعول ، وقام قومه
بنو معتب دونه ; خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب
عروة بن مسعود . قال : وخرج نساء
ثقيف حسرا يبكين عليها ، ويقلن : لتبكين دفاع ، أسلمها الرضاع ، لم يحسنوا المصاع .
قال
ابن إسحاق : ويقول
أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس : واها لك إهلاكك . فلما هدمها
المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى
أبي سفيان وقال له : إن رسول الله قد أمرنا أن نقضي عن
عروة بن مسعود وأخيه
الأسود بن مسعود والد
قارب بن الأسود دينهما من مال الطاغية . فقضى ذلك عنهما .
قلت : كان
الأسود قد مات مشركا ، ولكن أمر رسول الله بذلك تأليفا وإكراما لولده
قارب بن الأسود رضي الله عنه .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة أن
وفد ثقيف كانوا بضعة عشر رجلا ، فلما قدموا
[ ص: 215 ] أنزلهم رسول الله المسجد ليسمعوا القرآن ، فسألوه عن الربا والزنا والخمر ، فحرم عليهم ذلك كله ، فسألوه عن الربة ما هو صانع بها . قال : " اهدموها " . قالوا : هيهات لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها . فقال
عمر بن الخطاب ويحك يا
بن عبد ياليل ! ما أجهلك ! إنما الربة حجر . فقالوا : إنا لم نأتك يا
بن الخطاب . ثم قالوا : يا رسول الله ، تول أنت هدمها ، أما نحن فإنا لن نهدمها أبدا . فقال : " سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها " . فكاتبوه على ذلك ، واستأذنوه أن يسبقوا رسله إليهم ، فلما جاءوا قومهم تلقوهم ، فسألوهم ما وراءكم ؟ فأظهروا الحزن وأنهم إنما جاءوا من عند رجل فظ غليظ ، قد ظهر بالسيف ، يحكم ما يريد وقد دوخ العرب ، قد حرم الربا والزنا والخمر ، وأمر بهدم الربة ، فنفرت
ثقيف وقالوا : لا نطيع لهذا أبدا . قال : فأهبوا للقتال وأعدوا السلاح . فمكثوا على ذلك يومين أو ثلاثة ، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب ، فرجعوا وأنابوا ، وقالوا : ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك وصالحوه عليه . قالوا : فإنا قد فعلنا ذلك ، ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم ، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه وفيما قاضيناه عليه ، فافهموا ما في القضية واقبلوا عافية الله . قالوا : فلم كتمتمونا هذا أولا ؟ قالوا : أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان . فأسلموا مكانهم ، ومكثوا أياما ، ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر عليهم
خالد بن الوليد وفيهم
المغيرة بن شعبة فعمدوا إلى اللات ، وقد استكفت
ثقيف رجالها ونساؤها والصبيان ،
[ ص: 216 ] حتى خرج العواتق من الحجال ولا يرى عامة
ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة فقام
المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين - يعني المعول - وقال لأصحابه : والله لأضحكنكم من
ثقيف .
فضرب بالكرزين ، ثم سقط يركض برجله ، فارتج أهل
الطائف بصيحة واحدة وفرحوا وقالوا : أبعد الله
المغيرة قتلته الربة . وقالوا لأولئك : من شاء منكم فليقترب فقام
المغيرة فقال : والله يا معشر
ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر ، فاقبلوا عافية الله واعبدوه . ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم علا سورها ، وعلا الرجال معه ، فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض ، وجعل سادنها يقول : ليغضبن الأساس فليخسفن بهم . فلما سمع ذلك
المغيرة قال
لخالد : دعني أحفر أساسها . فحفروه حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبناءها ، وبهتت عند ذلك
ثقيف ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسم أموالها من يومه ، وحمدوا الله تعالى على اعتزاز دينه ونصرة رسوله .
قال
ابن إسحاق : وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510952بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين ; إن عضاة وج وصيده لا يعضد ، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، وإن [ ص: 217 ] تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا ، وإن هذا أمر النبي محمد . وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الله بن الحارث - من أهل
مكة مخزومي - حدثني
محمد بن عبد الله بن إنسان - وأثنى عليه خيرا - عن أبيه ، عن
عروة بن الزبير عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3510953أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود حذوها ، فاستقبل نخبا ببصره ، يعني واديا ، ووقف حتى اتقف الناس كلهم ، ثم قال : " إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله " . وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا . وقد رواه
أبو داود من حديث
محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي وقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في " ثقاته " . وقال
ابن معين : ليس به بأس . تكلم فيه بعضهم ، وقد ضعف
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وغيرهما هذا الحديث ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقال بمقتضاه . والله أعلم .