صفحة جزء
[ ص: 246 ] وفد بني عبد القيس .

ثم قال البخاري بعد وفد بني تميم : باب وفد عبد القيس ، حدثنا أبو إسحاق حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا قرة عن أبي جمرة قال : قلت لابن عباس : إن لي جرة ينتبذ لي فيها نبيذ فأشربه حلوا في جر ، إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس ، خشيت أن أفتضح . فقال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامى " . فقال : يا رسول الله ، إن بيننا وبينك المشركين من مضر ، وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام ، فحدثنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة ، وندعو به من وراءنا . قال : " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ; الإيمان بالله هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا من المغانم الخمس ، وأنهاكم عن أربع ; ما ينتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت " وهكذا رواه مسلم [ ص: 247 ] من حديث قرة بن خالد عن أبي جمرة به ، وله طرق في " الصحيحين " عن أبي حمزة .

وقال أبو داود الطيالسي في " مسنده " : حدثنا شعبة عن أبي جمرة سمعت ابن عباس يقول : إن وفد عبد القيس لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ممن القوم ؟ " قالوا : من ربيعة . قال : " مرحبا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى " . فقالوا : يا رسول الله ، إنا حي من ربيعة ، وإنا نأتيك من شقة بعيدة ، وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام ، فمرنا بأمر فصل ندعو إليه من وراءنا وندخل به الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ، آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا من المغانم الخمس ، وأنهاكم عن أربع ; عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت - وربما قال : والمقير - فاحفظوهن [ ص: 248 ] وادعوا إليهن من وراءكم " . وقد أخرجه صاحبا " الصحيحين " من حديث شعبة بنحوه . وقد رواه مسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد بحديث قصتهم بمثل هذا السياق ، وعنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس : " إن فيك لخلتين يحبهما الله عز وجل الحلم والأناة " . وفي رواية : " يحبهما الله ورسوله " . فقال : يا رسول الله ، تخلقتهما أم جبلني الله عليهما ؟ فقال : " بل جبلك الله عليهما " . فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله . .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا مطر بن عبد الرحمن سمعت هند بنت الوزاع تقول : أنها سمعت الوزاع يقول : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والأشج المنذر بن عامر أو عامر بن المنذر ومعهم رجل مصاب ، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبوا من رواحلهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلوا يده ، ثم نزل الأشج فعقل راحلته ، وأخرج عيبته ففتحها ، فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ، ثم أتى رواحلهم فعقلها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أشج إن فيك خصلتين [ ص: 249 ] يحبهما الله ، عز وجل ، ورسوله ; الحلم والأناة " . فقال : يا رسول الله أنا تخلقتهما أو جبلني الله عليهما ؟ فقال : " بل جبلك الله عليهما " . قال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ، عز وجل ، ورسوله . فقال الوازع : يا رسول الله ، إن معي خالا لي مصابا فادع الله له . فقال : " أين هو ؟ ائتني به " . قال : فصنعت مثل ما صنع الأشج ; ألبسته ثوبيه ، وأتيته ، فأخذ طائفة من ردائه يرفعها حتى رأينا بياض إبطه ، ثم ضرب بظهره فقال : " اخرج عدو الله " . فولى وجهه وهو ينظر بنظر رجل صحيح .

وروى الحافظ البيهقي من طريق هود بن عبد الله بن سعد أنه سمع جده مزيدة العصري قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قال لهم : " سيطلع من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق " . فقام عمر فتوجه نحوهم فلقي ثلاثة عشر راكبا فقال : من القوم ؟ قالوا : من بني عبد القيس . قال : فما أقدمكم هذه البلاد ؟ التجارة ؟ قالوا : لا . قال : أما إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا . ثم مشوا معه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر للقوم : هذا صاحبكم الذي تريدون . فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم ، فمنهم من مشى ، ومنهم من هرول ، ومنهم من سعى ، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذوا بيده فقبلوها وتخلف الأشج في الركاب حتى أناخها ، وجمع متاع القوم ، ثم جاء [ ص: 250 ] يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله " . قال : جبل جبلت عليه أم تخلق مني ؟ قال : " بل جبل " . فقال : الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله .

وقال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس . قال ابن هشام هو الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا .

قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن الحسن قال : فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه ، فعرض عليه الإسلام ، ودعاه إليه ، ورغبه فيه ، فقال : يا محمد ، إني كنت على دين ، وإني تارك ديني لدينك ، أفتضمن لي ديني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه " . قال : فأسلم وأسلم أصحابه ، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال : " والله ما عندي ما أحملكم عليه " . قال : يا رسول الله إن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : " لا ، إياك وإياها فإنما تلك حرق النار " . قال : فخرج الجارود راجعا إلى قومه ، وكان حسن الإسلام صلبا على دينه ، حتى هلك وقد أدرك الردة ، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فتشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام ، فقال : أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا [ ص: 251 ] الله ، وأن محمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم فحسن إسلامه ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين والعلاء عنده أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين .

ولهذا روى البخاري من حديث إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس قال : أول جمعة جمعت - بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين . .

وروى البخاري عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الركعتين بعد الظهر بسبب وفد عبد القيس ، حتى صلاهما بعد العصر في بيتها . .

قلت : لكن في سياق ابن عباس ما يدل على أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل فتح مكة ; لقولهم : وبيننا وبينك هذا الحي من مضر ، لا نصل إليك إلا في شهر حرام . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية