[ ص: 79 ] فصل في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته وقبل دفنه ، عليه الصلاة والسلام
ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الإسلام وأهله
بيعة أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وذلك لأنه ، عليه الصلاة والسلام ، لما مات كان
الصديق ، رضي الله عنه ، قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح ، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع ، وكشف ستر الحجرة ، ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف
أبي بكر ، فأعجبه ذلك وتبسم ، صلوات الله وسلامه عليه ، حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة ; لفرحهم به ، وحتى أراد
أبو بكر أن يتأخر ; ليصل الصف ، فأشار إليهم أن يمكثوا كما هم ، وأرخى الستارة ، وكان آخر العهد به ، عليه الصلاة والسلام ، فلما انصرف
أبو بكر ، رضي الله عنه ، من الصلاة دخل عليه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه من الوجع ، وهذا يوم
بنت خارجة . يعني إحدى زوجتيه ، وكانت ساكنة بالسنح شرقي
المدينة فركب على فرس له وذهب إلى منزله ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم . وقيل : عند زوال الشمس . والله أعلم
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم ، فمن قائل يقول : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن قائل : لم يمت . فذهب
سالم بن عبيد وراء
الصديق إلى السنح ،
[ ص: 80 ] فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء
الصديق من منزله حين بلغه الخبر ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله وكشف الغطاء عن وجهه وقبله ، وتحقق أنه قد مات ، فخرج إلى الناس فخطبهم إلى جانب المنبر ، وبين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا ، وأزاح الجدال ، وأزال الإشكال ، ورجع الناس كلهم إليه ، وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة ، ووقعت شبهة لبعض
الأنصار ، وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من
الأنصار ، وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من
الأنصار ، حتى بين لهم
الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في
قريش ، فرجعوا إليه ، وأجمعوا عليه ، كما سنبينه وننبه عليه .