صفحة جزء
[ ص: 104 ] فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومبلغ سنه حال وفاته ، وفي كيفية غسله ، عليه الصلاة والسلام ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه ، وموضع قبره ، صلوات الله وسلامه عليه

لا خلاف أنه ، عليه الصلاة والسلام ، توفي يوم الاثنين . قال ابن عباس : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ونبئ يوم الاثنين ، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين ، ودخل المدينة يوم الاثنين ، ومات يوم الاثنين . رواه الإمام أحمد والبيهقي .

وقال سفيان الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال لي أبو بكر : أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : يوم الاثنين . فقال : إني لأرجو أن أموت فيه . فمات فيه . رواه البيهقي من حديث الثوري به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، ثنا هريم ، حدثني ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 105 ] يوم الاثنين ، ودفن ليلة الأربعاء . تفرد به أحمد .

وقال عروة بن الزبير في " مغازيه " ، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه أرسلت عائشة إلى أبي بكر ، وأرسلت حفصة إلى عمر ، وأرسلت فاطمة إلى علي ، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في صدر عائشة وفي يومها يوم الاثنين ، حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول .

وقد قال أبو يعلى : ثنا أبو خيثمة ، ثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس قال : آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، كشف الستارة والناس خلف أبي بكر ، فنظرت إلى وجهه ، كأنه ورقة مصحف ، فأراد الناس أن ينحرفوا ، فأشار إليهم أن امكثوا ، وألقى السجف ، وتوفي من آخر ذلك اليوم . وهذا الحديث في " الصحيح " ، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال . والله أعلم .

وروى يعقوب بن سفيان ، عن عبد الحميد بن بكار ، عن محمد بن شعيب ، وعن صفوان ، عن عمر بن عبد الواحد ، جميعا عن الأوزاعي أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار .

[ ص: 106 ] وقال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أحمد بن كامل ، ثنا الحسن بن علي البزار ، ثنا محمد بن عبد الأعلى ، ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه - وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب " المغازي " - قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر ، وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها : ريحانة . كانت من سبي اليهود ، وكان أول يوم مرض يوم السبت ، وكانت وفاته ، عليه الصلاة والسلام ، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه ، عليه الصلاة والسلام ، المدينة .

وقال الواقدي : حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش ، شكوى شديدة . فاجتمع عنده نساؤه كلهن ، فاشتكى ثلاثة عشر يوما ، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة .

وقال الواقدي : وقالوا : بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر ، وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول . وهكذا جزم به محمد بن سعد كاتبه ، وزاد : ودفن يوم الثلاثاء .

[ ص: 107 ] قال الواقدي : وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض ، عن المقبري ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة .

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا أحمد بن يونس ، ثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما ، فكان إذا وجد خفة صلى ، وإذا ثقل صلى أبو بكر ، رضي الله عنه .

وقال محمد بن إسحاق : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا ، واستكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل . قال الواقدي : وهو الثبت عندنا . وجزم به محمد بن سعد كاتبه .

وقال يعقوب بن سفيان ، عن يحيى بن بكير ، عن الليث أنه قال : توفي رسول الله يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول ، وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه .

وقال سعد بن إبراهيم الزهري : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ، لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة رواه ابن عساكر ، ورواه الواقدي عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس مثله سواء . وقاله خليفة بن خياط أيضا .

[ ص: 108 ] وقال أبو نعيم الفضل بن دكين توفي رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة . رواه ابن عساكر أيضا . وقد تقدم قريبا عن عروة ، وموسى بن عقبة والزهري ، مثله فيما نقلناه عن " مغازييهما " . فالله أعلم . والمشهور قول ابن إسحاق والواقدي .

ورواه الواقدي عن ابن عباس وعائشة ، رضي الله عنها ، فقال : حدثني إبراهيم بن يزيد ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس . وحدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالا : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول .

ورواه ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه مثله ، وزاد : ودفن ليلة الأربعاء .

وروى سيف بن عمر ، عن محمد بن عبيد الله العرزمي ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ارتحل ، فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة ، والمحرم وصفرا ، ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول .

وروى أيضا عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة . وفي حديث فاطمة ، عن عمرة ، عن عائشة مثله ، إلا أن ابن عباس قال في أوله : لأيام مضين [ ص: 109 ] منه . وقالت عائشة : بعد ما مضى أيام منه .

فائدة : قال أبو القاسم السهيلي في " الروض " ما مضمونه : لا يتصور وقوع وفاته ، عليه الصلاة والسلام ، يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة ; وذلك لأنه ، عليه الصلاة والسلام ، وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة ، فكان أول ذي الحجة يوم الخميس ، فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة ، أو بعضها تام وبعضها ناقص ، لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول .

وقد اشتهر هذا الإيراد على هذا القول ، وقد حاول جماعة الجواب عنه ولا يمكن الجواب عنه ، إلا بمسلك واحد ، وهو اختلاف المطالع ; بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس ، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة ، ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة - يعني من المدينة - إلى حجة الوداع . ويتعين - كما ذكرنا - أنه خرج يوم السبت ، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس ; لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك ، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة ; لأن أنسا قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين . فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين ، فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة [ ص: 110 ] هلال ذي الحجة ليلة الجمعة ، وإذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة ، وحسبت الشهور بعده كوامل ، يكون أول ربيع الأول يوم الخميس ، فيكون ثاني عشره يوم الاثنين . والله أعلم .

وثبت في " الصحيحين " من حديث مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط ، بعثه الله ، عز وجل ، على رأس أربعين سنة ، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على رأس ستين سنة ، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء . وهكذا رواه ابن وهب ، عن قرة ، عن الزهري ، عن أنس ، وعن قرة ، عن ربيعة ، عن أنس ، مثل ذلك .

قال الحافظ ابن عساكر : حديث قرة عن الزهري غريب ، وأما من رواية ربيعة عن أنس ، فرواها عنه جماعة كذلك . ثم أسند من طريق سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد وربيعة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين .

وكذلك رواه ابن البربري ونافع بن أبي نعيم ، عن ربيعة ، عن أنس به . قال : والمحفوظ عن ربيعة ، عن أنس : ستون .

ثم أورده ابن عساكر من طريق مالك ، والأوزاعي ، ومسعر ، وإبراهيم بن [ ص: 111 ] طهمان ، وعبد الله بن عمر ، وسليمان بن بلال ، وأنس بن عياض ، والدراوردي ، ومحمد بن قيس المدني ، كلهم عن ربيعة ، عن أنس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ستين سنة .

وقال البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، ثنا أبو عمرو بن السماك ، ثنا حنبل بن إسحاق ، ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ، حدثنا عبد الوارث ، ثنا أبو غالب الباهلي قال : قلت لأنس بن مالك : بسن أي الرجال كان رسول الله إذ بعث ؟ قال : كان ابن أربعين سنة . قال : ثم كان ماذا ؟ قال : كان بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله ، عز وجل ، وهو كأشد الرجال وأحسنه وأجمله وألحمه . ورواه الإمام أحمد ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه به .

وقد روى مسلم ، عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب بزنيج ، عن حكام بن سلم ، عن عثمان بن زائدة ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين ، وقبض أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين . انفرد به مسلم . [ ص: 112 ] وهذا لا ينافي ما تقدم عن أنس ; لأن العرب كثيرا ما تحذف الكسر .

وثبت في " الصحيحين " من حديث الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة . قال الزهري : وأخبرني سعيد بن المسيب مثله .

وروى موسى بن عقبة وعقيل ، ويونس بن يزيد ، وابن جريج ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين . قال الزهري : وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك .

وقال البخاري : ثنا أبو نعيم ، ثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، وابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن ، وبالمدينة عشرا . لم يخرجه مسلم .

وقال أبو داود الطيالسي في " مسنده " : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن جرير بن عبد الله ، عن معاوية بن أبي سفيان قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين ، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ، وعمر وهو ابن ثلاث وستين . وهكذا رواه مسلم من حديث غندر ، عن شعبة ، وهو من [ ص: 113 ] أفراده دون البخاري . ومنهم من يقول : عن عامر بن سعد ، عن معاوية ، والصواب ما ذكرناه ، عن عامر بن سعد ، عن جرير عن معاوية ، وروينا من طريق عامر بن شراحيل الشعبي ، عن جرير بن عبد الله البجلي ، عن معاوية ، فذكره .

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين ، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة قالت : تذاكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ميلادهما عندي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين ، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين .

وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وهم بنو ثلاث وستين .

وقال حنبل : حدثنا الإمام أحمد ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وأربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا . وهذا غريب عنه ، وصحيح إليه .

وقال أحمد : ثنا هشيم ، ثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة ، فمكث ثلاث سنين ، ثم بعث إليه جبريل [ ص: 114 ] بالرسالة ، ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ، ثم هاجر إلى المدينة فقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة .

قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل : الثبت عندنا ثلاث وستون سنة .

قلت : وهكذا روى مجاهد ، عن الشعبي ، وروي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عنه .

وفي " الصحيحين " من حديث روح بن عبادة ، عن زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة .

وفي " صحيح البخاري " من حديث روح بن عبادة أيضا ، عن هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة ، فمكث بمكة ثلاث عشرة ، ثم أمر بالهجرة ، فهاجر عشر سنين ، ثم مات وهو ابن ثلاث وستين . وكذلك رواه الإمام أحمد ، عن روح بن عبادة ، ويحيى بن سعيد ، ويزيد بن هارون ، كلهم عن هشام بن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس به . وقد رواه أبو يعلى الموصلي ، عن الحسن بن عمر بن شقيق ، عن جعفر بن سليمان ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس فذكر مثله . ثم أورده من طرق ، عن ابن عباس مثل ذلك .

[ ص: 115 ] ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه ، وبالمدينة عشرا ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة .

وقد أسند الحافظ ابن عساكر من حديث سلم بن جنادة ، عن عبد الله بن عمر ، عن كريب ، عن ابن عباس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين . ومن حديث أبي نضرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس مثله . وهذا القول هو الأشهر ، وعليه الأكثر .

وقال الإمام أحمد : ثنا إسماعيل ، عن خالد الحذاء ، حدثني عمار مولى بني هاشم قال : سمعت ابن عباس يقول : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن خمس وستين سنة . ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به .

وقال أحمد : ثنا حسن بن موسى ، ثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقام بمكة خمس عشرة سنة ; ثمان سنين أو سبعا يرى الضوء ويسمع الصوت ، وثمانيا أو سبعا يوحى إليه ، وأقام [ ص: 116 ] بالمدينة عشرا . ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به .

وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا يونس ، عن عمار مولى بني هاشم قال : سألت ابن عباس : كم أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ؟ قال : ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليه ذلك ! قال : قلت : إني قد سألت فاختلف علي ، فأحببت أن أعلم قولك فيه . قال أتحسب ؟ قلت : نعم قال : أمسك ; أربعين بعث لها ، وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف ، وعشرا مهاجره بالمدينة . وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع وشعبة بن الحجاج ، كلاهما عن يونس بن عبيد ، عن عمار ، عن ابن عباس بنحوه .

وقال الإمام أحمد : ثنا ابن نمير ، ثنا العلاء بن صالح ، ثنا المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير أن رجلا أتى ابن عباس فقال : أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرا بمكة ، وعشرا بالمدينة ؟ فقال : من يقول ذلك ؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة ، وبالمدينة عشرا ; خمسا وستين وأكثر . وهذا من أفراد أحمد إسنادا ومتنا .

وقال الإمام أحمد : ثنا هشيم ، ثنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن خمس وستين سنة . تفرد به أحمد .

وقد روى الترمذي في كتاب " الشمائل " ، وأبو يعلى الموصلي ، والبيهقي [ ص: 117 ] من حديث قتادة ، عن الحسن البصري ، عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين . ثم قال الترمذي : دغفل لا يعرف له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان في زمانه رجلا . وقال البيهقي : وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس ، ورواية الجماعة عن ابن عباس : في ثلاث وستين . أصح ، فهم أوثق وأكثر ، وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة ، عن عائشة وإحدى الروايتين عن أنس ، والرواية الصحيحة عن معاوية ، وهي قول سعيد بن المسيب ، وعامر الشعبي ، وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم . قلت : وعبد الله بن عتبة والقاسم بن عبد الرحمن ، والحسن البصري ، وعلي بن الحسين ، وغير واحد .

ومن الأقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خياط عن معاذ بن هشام : حدثني أبي عن قتادة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن اثنتين وستين سنة . ورواه يعقوب بن سفيان ، عن محمد بن المثنى ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، مثله . ورواه زيد العمي ، عن يزيد ، عن أنس .

ومن ذلك ما رواه محمد بن عائذ ، عن القاسم بن حميد ، عن النعمان بن [ ص: 118 ] المنذر الغساني ، عن مكحول قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر .

ورواه يعقوب بن سفيان ، عن عبد الحميد بن بكار ، عن محمد بن شعيب ، عن النعمان بن المنذر ، عن مكحول قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف .

وأغرب من ذلك كله ما رواه الإمام أحمد ، عن روح ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن قال : نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين بمكة ، وعشرا بعد ما هاجر . فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور وهو أنه ، عليه الصلاة والسلام ، أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة ، فقد ذهب إلى أنه ، عليه الصلاة والسلام ، عاش ثمانيا وخمسين سنة . وهذا غريب جدا .

لكن روينا من طريق مسدد ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ستين سنة .

وقال خليفة بن خياط حدثنا أبو عاصم ، عن أشعث ، عن الحسن قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وأربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وبالمدينة ثمانيا ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين . وهذا بهذه الصفة غريب جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية