فصل في
تنفيذه جيش أسامة بن زيد
الذين كانوا قد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير إلى تخوم
البلقاء من
الشام ،
[ ص: 421 ] حيث قتل
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة فيغيروا على تلك الأراضي ، فخرجوا إلى الجرف فخيموا به ، وكان فيهم
عمر بن الخطاب - ويقال
وأبو بكر الصديق . فاستثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ; للصلاة - فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك ، فلما مات عظم الخطب واشتد الحال ونجم النفاق
بالمدينة ، وارتد من ارتد من أحياء العرب حول
المدينة ، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى
الصديق ، ولم تبق الجمعة تقام في بلد سوى
مكة والمدينة ، وكانت
جواثا من
البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحق ، كما في " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن
ابن عباس كما سيأتي ، وقد كانت
ثقيف بالطائف ثبتوا على الإسلام ، لم يفروا ولا ارتدوا .
والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على
الصديق أن لا ينفذ جيش
أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم الآن مما جهز بسببه في حال السلامة ، وكان من جملة من أشار بذلك
عمر بن الخطاب ، فامتنع
الصديق من ذلك ، وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش
أسامة ، وقال : والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو أن الطير تخطفنا ، والسباع من حول
المدينة ، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين ، لأجهزن جيش
أسامة . فجهزه وأمر الحرس يكونون حول
المدينة ، فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح ،
[ ص: 422 ] والحالة تلك ، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم ، وقالوا : ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة . فغابوا أربعين يوما ، ويقال : سبعين يوما . ثم آبوا سالمين غانمين ، ثم رجعوا فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة ، ومانعي الزكاة ، على ما سيأتي تفصيله .
قال
سيف بن عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لما بويع
أبو بكر ، وجمع
الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه قال : ليتم بعث
أسامة . وقد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة ، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية
والنصرانية ، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ; لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وقلتهم ، وكثرة عدوهم ، فقال له الناس : إن هؤلاء جل المسلمين ، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك ، وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين . فقال : والذي نفس
أبي بكر بيده ، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث
أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته . وقد روي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة ، ومن حديث
القاسم nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة ، عن
عائشة قالت : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب قاطبة
[ ص: 423 ] واشرأب النفاق ، والله لقد نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها ، وصار أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم معزى مطيرة في حفش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وعنائها وفضلها . ثم ذكرت
عمر فقالت : من رأى
عمر علم أنه خلق غنى للإسلام ، كان والله أحوزيا نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها .
وقال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13933أبو بكر البيهقي : أنا
أبو عبد الله الحافظ ، أنا
nindex.php?page=showalam&ids=13720أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا
محمد بن علي الميموني ، ثنا
الفريابي ، ثنا
عباد بن كثير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج ،
عن أبي هريرة قال : والله الذي لا إله إلا هو لولا أن
أبا بكر استخلف ما عبد الله ، ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، فقيل له : مه يا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه
أسامة بن زيد في سبعمائة إلى
الشام ، فلما نزل
بذي خشب قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتدت العرب حول
المدينة ،
[ ص: 424 ] فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا : يا
أبا بكر ، رد هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى
الروم وقد ارتدت العرب حول
المدينة ؟ ! فقال : والذي لا إله غيره لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم . فوجه
أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا
الروم . فلقوا
الروم فهزموهم وقتلوهم ، ورجعوا سالمين ، فثبتوا على الإسلام .
عباد بن كثير هذا أظنه
الرملي ; لرواية
الفريابي عنه ، وهو متقارب الحديث ، فأما
البصري الثقفي فمتروك الحديث . والله أعلم .
وروى
سيف بن عمر عن
أبي ضمرة وأبي عمرو وغيرهما ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، أن
أبا بكر لما صمم على تجهيز جيش
أسامة قال بعض
الأنصار لعمر : قل له فليؤمر علينا غير
أسامة . فذكر له
عمر ذلك ، فيقال : إنه أخذ بلحيته وقال : ثكلتك أمك يا
ابن الخطاب ، أأؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! ثم نهض بنفسه إلى الجرف فاستعرض جيش
أسامة وأمرهم بالمسير ، وسار معهم ماشيا
، وأسامة راكبا
nindex.php?page=showalam&ids=38، وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة
الصديق ، فقال
أسامة يا خليفة رسول الله ، إما أن تركب وإما أن أنزل . فقال : والله لست بنازل ولست براكب . ثم استطلق
الصديق من
أسامة عمر بن الخطاب - وكان مكتتبا في جيشه - فأطلقه له ، فلهذا كان
عمر لا يلقاه بعد ذلك إلا قال : السلام عليك أيها الأمير .