فصل
فيما وقع بأرض العراق في هذه المدة من القتال .
قد قدمنا أن
المثنى بن حارثة لما سار
خالد من
العراق بمن صحبه إلى
[ ص: 591 ] الشام - وقد قيل : إنه سار بتسعة آلاف . وقيل : بثلاثة آلاف . وقيل : بسبعمائة . وقيل : بأقل . إلا أنهم صناديد جيش العراق - فأقام
المثنى بمن بقي ، فاستقل عددهم ، وخاف من سطوة
الفرس لولا اشتغالهم بتبديل ملوكهم وملكاتهم ، واستبطأ
المثنى خبر
الصديق ، فسار إلى
المدينة فوجد
الصديق في السياق ، فأخبره بأمر العراق ، فأوصى
الصديق عمر أن يندب الناس لقتال
أهل العراق ، فلما مات
الصديق ودفن ليلة الثلاثاء ، أصبح
عمر فندب الناس وحثهم على قتال أهل العراق ، وحرضهم ورغبهم في الثواب على ذلك ، فلم يقم أحد ; لأن الناس كانوا يكرهون قتال
الفرس ; لقوة سطوتهم ، وشدة قتالهم ، ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث ، فلم يقم أحد وتكلم
المثنى بن حارثة فأحسن ، وأخبرهم بما فتح الله تعالى على يدي
خالد من معظم أرض العراق ، وما لهم هنالك من الأموال والأملاك والأمتعة والزاد ، فلم يقم أحد في اليوم الثالث ، فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من المسلمين
أبو عبيدة بن مسعود الثقفي ، ثم تتابع الناس في الإجابة ، وأمر
عمر طائفة من أهل المدينة ، وأمر على الجميع
أبا عبيد هذا ، ولم يكن صحابيا ، فقيل
لعمر : هلا أمرت عليهم رجلا من الصحابة ؟ فقال : إنما أؤمر أول من استجاب ، إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين ، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم . ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من
[ ص: 592 ] المسلمين خيرا ، وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يستشير
سليط بن قيس ; فإنه رجل باشر الحروب ، فسار المسلمون إلى أرض العراق ، وهم سبعة آلاف رجل وكتب
عمر إلى
أبي عبيدة أن يرسل من كان بالعراق ممن قدم مع
خالد إلى العراق ، فجهز عشرة آلاف ، عليهم
هاشم بن عتبة ، وأرسل
عمر nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي في أربعة آلاف إلى العراق فقدم الكوفة ثم خرج منها فواقع
هرقران المدار فقتله وانهزم جيشه ، وغرق أكثرهم في دجلة فلما وصل الناس إلى العراق وجدوا
الفرس مضطربين في ملكهم ، وآخر ما استقر عليه أمرهم أن ملكوا عليهم
بوران بنت كسرى بعدما قتلوا التي كانت قبلها
آزرميدخت ، وفوضت
بوران أمر الملك عشر سنين إلى رجل منهم يقال له :
رستم بن فرخزاذ . على أن يقوم بأمر الحرب ، ثم يصير الملك إلى
آل كسرى ، فقبل ذلك . وكان
رستم هذا منجما يعرف النجوم وعلمها جيدا ، فقيل له : ما حملك على هذا ؟ يعنون وأنت تعلم أن هذا الأمر لا يتم لك ، فقال : الطمع وحب الشرف .