وقعة النمارق .
بعث
رستم أميرا يقال له : جابان . وعلى مجنبتيه رجلان يقال لأحدهما :
[ ص: 593 ] جشنس ماه . ويقال للآخر :
مردان شاه . وهو حصي أمير حاجب
الفرس ، فالتقوا مع
أبي عبيد بمكان يقال له : النمارق . بين الحيرة والقادسية ، وعلى الخيل
المثنى بن حارثة ، وعلى الميسرة
عمرو بن الهيثم ، فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا ، وهزم الله
الفرس ، وأسر
جابان ومردان شاه . فأما
مردان شاه فإنه قتله الذي أسره ، وأما جابان فإنه خدع الذي أسره حتى أطلقه ، فأمسكه المسلمون وأبوا أن يطلقوه ، وقالوا : إن هذا هو الأمير . وجاءوا به إلى
أبي عبيد ، فقالوا : اقتله ، فإنه الأمير . فقال : وإن كان الأمير ، فإني لا أقتله وقد أمنه رجل من المسلمين . ثم ركب
أبو عبيد في آثار من انهزم منهم ، وقد لجأوا إلى مدينة كسكر التي لابن خالة
كسرى ، واسمه
نرسي ، فوازرهم
نرسي على قتال
أبي عبيد ، فقهرهم
أبو عبيد ، وغنم منهم شيئا كثيرا وأطعمات كثيرة جدا ، ولله الحمد . وبعث بخمس ما غنم من المال والطعام إلى
عمر بن الخطاب بالمدينة ، وقد قال في ذلك رجل من المسلمين :
لعمري وما عمري علي بهين لقد صبحت بالخزي أهل النمارق بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
يجوسونهم ما بين درتا وبارق قتلناهم ما بين
مرج مسلح وبين الهوافي من طريق البذارق
[ ص: 594 ] فالتقوا بمكان بين كسكر والسقاطية ، وعلى ميمنة
نرسي وميسرته ابنا خاله
بندويه وتيرويه أولاد
بسطام ، وكان
رستم قد جهز الجيوش مع
الجالنوس ، فلما بلغ
أبو عبيد ذلك أعجل
نرسي بالقتال قبل وصولهم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزمت
الفرس وهرب
نرسي والجالنوس إلى المدائن بعد وقعة جرت من
أبي عبيد مع
الجالنوس بمكان يقال له : باروسما . فبعث أبو عبيد
المثنى بن حارثة وسرايا أخر إلى ما تاخم تلك الناحية كنهر جوبر ونحوها ، ففتحها صلحا وقهرا ، وضربوا الجزية والخراج ، وغنموا الأموال الجزيلة ، ولله الحمد والمنة ، وكسروا
الجالنوس الذي جاء لنصرة
جابان ، وغنموا جيشه وأمواله ، وكر هاربا إلى قومه حقيرا ذليلا .