وقعة جسر أبي عبيد التي قتل فيها أمير المسلمين وخلق كثير منهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون
لما رجع
الجالنوس هاربا مما لقي من المسلمين تذامرت
الفرس بينهم واجتمعوا إلى
رستم ، فأرسل جيشا كثيفا عليهم ذو الحاجب بهمن جاذويه ، وأعطاه
[ ص: 595 ] راية
أفريدون ، وتسمى درفش كابيان ، وكانت
الفرس تتيمن بها ، وحملوا معهم راية
كسرى ، وكانت من جلود النمور ، عرضها ثمانية أذرع ، فوصلوا إلى المسلمين وبينهم النهر ، وعليه جسر ، فأرسلوا : إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم . فقال المسلمون لأميرهم
أبي عبيد : مرهم فليعبروا هم إلينا . فقال : ما هم بأجرأ على الموت منا . ثم اقتحم إليهم ، فاجتمعوا في مكان ضيق فالتقوا هنالك ، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله ، والمسلمون في نحو من عشرة آلاف ، وقد جاءت
الفرس معهم بأفيلة كثيرة ، عليها الجلاجل والنخل قائمة لتذعر خيول المسلمين ، فجعلوا كلما حملوا على المسلمين فرت خيولهم من الفيلة ، ومما تسمع من الجلاجل التي عليها ، ولا يثبت منها إلا القليل على قسر ، وإذا حمل المسلمون عليهم لا تقدم خيولهم على الفيلة ، ورشقتهم
الفرس بالنبل ، فنالوا منهم خلقا كثيرا ، وقتل المسلمون منهم مع ذلك ستة آلاف ، وأمر
أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولا ، فاحتوشوها فقتلوها عن آخرها ، وقد قدمت
الفرس بين أيديهم فيلا عظيما أبيض ، فتقدم إليه
أبو عبيد فضربه بالسيف فقطع زلومه ، فحمي الفيل وصاح صيحة هائلة وحمل عليه ، فتخبطه برجله فقتله ووقف فوقه ، فحمل على الفيل خليفة
أبي عبيد الذي كان أوصى أن يكون أميرا بعده فقتل ، ثم آخر ، ثم آخر ، حتى قتل سبعة من ثقيف كان قد نص
أبو عبيد عليهم واحدا بعد واحد ، ثم صارت إلى
المثنى بن حارثة بمقتضى الوصية أيضا ، وقد كانت دومة امرأة
أبي عبيد رأت مناما يدل على ما وقع سواء بسواء ، فلما رأى المسلمون ذلك
[ ص: 596 ] وهنوا عند ذلك ، ولم يكن بقي إلا الظفر
بالفرس ، وضعف أمرهم ، وذهبت ريحهم ، وولوا مدبرين ، وساقت
الفرس خلفهم يقتلون بشرا كثيرا ، وانكشف الناس ، فكان أمرا بليغا ، وجاءوا إلى الجسر ، فمر بعض الناس ، ثم انكسر الجسر ، فتحكم فيمن وراءه
الفرس ، فقتلوا من المسلمين ، وغرق في الفرات نحو من أربعة آلاف . فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وسار
المثنى بن حارثة ، فوقف عند الجسر الذي جاءوا منه ، وكان الناس لما انهزموا جعل بعضهم يلقي بنفسه في الفرات فيغرق ، فنادى
المثنى : أيها الناس ، على هينتكم ، فإني واقف على فم الجسر لا أجوزه حتى لا يبقى منكم أحد ها هنا . فلما عدى الناس إلى الناحية الأخرى سار
المثنى فنزل بهم أول منزل ، وقام يحرسهم هو وشجعان المسلمين ، وقد جرح أكثرهم وأثخنوا ، ومن الناس من ذهب في البرية لا يدرى أين ذهب ، ومنهم من رجع إلى المدينة النبوية مذعورا ، وذهب بالخبر
nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد بن عاصم المازني إلى
عمر بن الخطاب ، فوجده على المنبر ، فقال له
عمر : ما وراءك يا
عبد الله بن زيد ؟ فقال : أتاك الخبر اليقين يا أمير المؤمنين . ثم صعد إليه المنبر فأخبره الخبر سرا ، ويقال : كان أول من قدم بخبر الناس
عبد الله بن يزيد بن الحصين الخطمي . فالله أعلم - قال
سيف بن عمر : وكانت هذه الوقعة في شعبان من سنة ثلاث عشرة بعد
اليرموك بأربعين يوما . فالله أعلم - وتراجع المسلمون بعضهم إلى بعض ، وكان منهم من فر إلى المدينة ، فلم يؤنب
عمر الناس ، بل قال : أنا فئتكم . وأشغل الله
المجوس بأمر ملكهم ; وذلك أن أهل المدائن عدوا على
رستم فخلعوه ، ثم ولوه ، وأضافوا إليه
الفيرزان ، واختلفوا على فرقتين ،
[ ص: 597 ] فركب
الفرس إلى المدائن ، ولحقهم
المثنى بن حارثة في نفر من المسلمين ، فعارضه أميران من أمرائهم في جيشهم ، فأسرهما وأسر معهما بشرا كثيرا ، فضرب أعناقهم ، ثم أرسل
المثنى إلى من بالعراق من أمراء المسلمين يستمدهم ، فبعثوا إليه بالأمداد ، وبعث إليه
عمر بن الخطاب بمدد كثير ، فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي في قومه بجيلة بكمالها ، وغيره من سادات المسلمين ، حتى كثر جيشه .