[ ص: 237 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين
ففيها كانت
غزوة الصواري ، وغزوة الأساودة في البحر فيما ذكره
الواقدي . وقال
أبو معشر : كانت غزوة
الصواري سنة أربع وثلاثين . وملخص ذلك فيما ذكره
الواقدي وسيف وغيرهما ، أن
الشام كان قد جمع نيابته
لمعاوية بن أبي سفيان لسنتين مضتا من خلافة
عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، وقد أحرزه غاية الحفظ وحمى حوزته ، ومع هذا له في كل سنة غزوة في بلاد
الروم في زمن الصيف - ولهذا يسمون هذه الغزوة الصائفة - فيقتلون خلقا ويأسرون آخرين ، ويفتحون حصونا ، ويغنمون أموالا ، ويرعبون الأعداء ، فلما أصاب
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح من أصاب من الفرنج والبربر ببلاد
إفريقية والأندلس ، حميت
الروم واجتمعت على
قسطنطين بن هرقل ، وساروا إلى المسلمين في جمع لم ير مثله منذ كان الإسلام خرجوا في خمسمائة مركب ، وقصدوا
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح في أصحابه من المسلمين الذين ببلاد
المغرب . فلما تراءى الجمعان بات
الروم يقسقسون ويصلبون ، وبات المسلمون يقرءون ويصلون ، فلما أصبحوا صف
عبد الله بن سعد أصحابه صفوفا في المراكب ، وأمرهم بذكر الله وتلاوة القرآن . قال بعض من حضر ذلك : فأقبلوا إلينا في أمر لم ير مثله من كثرة المراكب ، وتعداد صواريها ، وكانت الريح لهم وعلينا فأرسينا ثم سكنت الريح عنا ، فقلنا لهم :
[ ص: 238 ] إن شئتم خرجنا نحن وأنتم إلى البر فمات الأعجل منا ومنكم . قال : فنخروا نخرة رجل واحد وقالوا : الماء الماء . قال : فدنونا منهم وربطنا سفننا بسفنهم . ثم اجتلدنا وإياهم بالسيوف يثب الرجال على الرجال بالسيوف والخناجر ، وضربت الأمواج في عيون تلك السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وألقت الأمواج جثث الرجال إلى الساحل حتى صارت مثل الجبل العظيم ، وغلب الدم على لون الماء ، وصبر المسلمون يومئذ صبرا لم يعهد مثله قط ، وقتل منهم بشر كثير ومن
الروم أضعاف ذلك ، ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، فهرب
قسطنطين وجيشه - وقد قلوا جدا - وبه جراحات شديدة كثيرة مكث حينا يداوى منها بعد ذلك ، وأقام
عبد الله بن سعد بذات
الصواري أياما ، ثم رجع مؤيدا منصورا مظفرا .
قال
الواقدي : فحدثني
معمر عن
الزهري قال : كان في هذه الغزوة
nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر ، فأظهرا عيب
عثمان ، وما غير وما خالف
أبا بكر وعمر ، ويقولان : دمه حلال ؛ لأنه استعمل
عبد الله بن سعد - وكان قد ارتد وكفر بالقرآن العظيم ، وأباح رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دمه - وأخرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أقواما واستعملهم
عثمان ونزع الصحابة واستعمل
سعيد بن العاص nindex.php?page=showalam&ids=4891وعبد الله بن عامر . فبلغ ذلك
عبد الله بن سعد فقال : لا تركبا معنا . فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين ، ولقوا العدو فكانا أنكل المسلمين قتالا ، فقيل
[ ص: 239 ] لهما في ذلك فقالا : كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه ؟ فأرسل إليهما
عبد الله بن سعد فنهاهما أشد النهي ، وقال : والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما وحبستكما .
قال
الواقدي : وفي هذه السنة فتحت
أرمينية على يدي
حبيب بن مسلمة . وفي هذه السنة قتل كسرى ملك
الفرس .